غري غيري يا بيضاء غري غيري ثم تمثل هذا جناي وخياره فيه إذ كل جان يده إلى فيه وكان (ع) أخشن الناس مأكلا وملبسا قال عبيد الله ابن أبي رافع دخلت عليه يوم عيد فقدموا جرابا مختوما فوجدنا خبز الشعير فيه يابسا مرضوضا فاكل وختم فقلت يا أمير المؤمنين لم تختمه فقال خفت هاذين الولدين يعني الحسنين ان يلثاه بسمن أو زيت وكان ثوبه مرقوعا بجلد تارة وبليف أخرى وكان يلبس الكرابيس الغليظة فإذا وجد كمه طويلا قطعه بشفرة ولم يخطه وكان لا يزال متساقطا على ذراعيه حتى بقى سدى بلا لحمه وكان يأتدم بخل وملح ان ائتدم فان ترقى عن ذلك فببعض نبات الأرض فان ارتفع ذلك فبشئ من البان الإبل ولا يأكل الا قليلا وكان عليه السلام يقول لا تجعلوا بطونكم مقابر للحيوانات وهو الذي طلق الدنيا ثلاثا وكانت الأموال تجيئ إليه مما عدى الشام فيفرقها ويمزقها ويقول هذا جنائي وخياره فيه إذ كل جان يده إلى فيه وكان يطوي يومين أو ثلثه من الجوع ويشد حجر المجاعة على بطنه الشريف وكان فراشه التراب ووساده الحجر ومن خبر ضرار بن ضمره الضبابي عند دخوله على معوية وسئله عن أمير المؤمنين قال فاشهد لقد رايته في بعض مواقفه وقد ارخى الليل سدوله وهو قائم في محرابه قابض على لحيته يتململ تململ السليم اي الملسوع ويبكي بكاء الحزين وهو يقول يا دنيا إليك عني أبي تعرضت أم إلي تشوقت لا حان حينك هيهات هيهات غرى غيري لا حاجة لي فيك قد طلقتك ثلاثا لا رجعت لي فيك فعيشك قصير وخطرك يسير واملك حقير اه من قلة الزاد وطول الطريق وبعد السفر وعظم المورد فقال له معوية لعنه الله يا ضرار صف لي عليا عليه السلام فقال له اعفني من ذلك فقال ما أعفيك يا ضرار قال ما أصف منه كان والله شديد القوى بعيد المدى ينفجر العلم من انحائه والحكمة من ارجائه يستوحش من الدنيا وزهرتها ويأنس بالليل ووحشتها لا يطمع القوي في باطله ولا ييأس الضعيف من عدله حسن المعاشرة سهل المباشرة خشن الماكل قصير الملبس غزير العبرة طويل الفكرة يقلب كفه ويحاسب نفسه وكان فينا كأحدنا يجيبنا إذا سألناه ويبتدأنا إذا سكتنا ونحن مع تقريبه إلينا أشد ما يكون صاحب لصاحبه هيبته لا نبتدئه الكلام لعظمه يحب المساكين ويقرب أهل الدين واشهد لقد رايته في بعض مواقفه وقد ارخى الليل سدوله وغارت نجومه قابضا على لحيته يتململ تململ السليم اي الملسوع ويبكي بكاء الحزين ويقول يا دنيا يا دنيا غري غيري أبي تعرضت أم بي تشوقت هيهات هيهات قد طلقتك ثلاثا لا رجعة لي فيك فعمرك قصير وخطرك حقير اه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق فبكى معوية لعنه الله وقال رحم الله أبا الحسن كان والله كذلك فكيف حزنك عليه يا ضرار قال حزن من ذبح ولدها في حجرها وغير ذلك كثير جدا واما العبادة فقد كان أعبد الناس وأكثرهم صلاة وصوما وكان يصلي في كل ليلة الف ركعة ومنه تعلم الناس النافلة والأوراد وكان يحفظ القران ولا حافظ هناك غيره وما ظنك برجل يبلغ من محافظته على ورده انه تبسط له نطع بين الصفين ليلة الهرير فيصلي عليه ورده والسهام تقع بين يديه وعن جانبيه فلا يرتاع لذلك وبلغ في العبادة إلى حيث يؤخذ النشاب من جسده عند الصلاة وكان زين العابدين عليه السلام يصلي في الليل الف ركعة ثم يلقى صحيفته ويقول انى لي بعبادة علي وهو الذي كان يقول والله ما عبدتك خوفا من نارك ولا طمعا في جنتك ولكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك وكانت جبهته كثفنة البعير لكثرة طول السجود وقيل لعلي بن الحسين عليه السلام وهو أعبد العباد كيف عبادتك من عبادة علي فقال عبادتي منه كعبادته عليه السلام من رسول الله صلى الله عليه وآله ومن تأمل في دعواته ومناجاته واوراده المنقولة عنه وصلواته ظهر ذلك له كل الظهور واما الحلم فكان عليه السلام أحلم الخلق وأشدهم عفوا و ينبئ عن ذلك عفوه عن عايشة بعدما فعلت فعلها الشنيع وعفوه عن عبد الله ابن الزبير وكان أشد الناس له عداوة وعفوه عن سعيد بن العاص بعد ظفره به وعن أهل البصرة بعد انكسار شوكتهم ونادى مناديه لا يجهز على جريح ولا يتبع مدبر ولا يقتل مستأسر ومن القى سلاحه فهو امن ولم يأخذ اثقالهم ولا سبى ذراريهم وعن عسكر معوية لما منعوه من الماء فوقع عليهم وكشفهم عنه بعد المقاتلة العظيمة فشكوا إليه العطش فامر أصحابه بتخلية الشريعة لهم وقال في حد السيف ما يغني عن ذلك واما الفصاحة فهو امام الفصحاء وسيد البلغاء وفي كلامه قيل إنه فوق كلام المخلوقين ودون كلام الخالق وقيل في ذلك أنه لو لم يكن في البرية قران لكان نهج البلاغة قرآنهم وفي النظر في خطبه ومواعظه ومناجاته ودعواته ما يغني عن البرهان ولما قال محقن ابن أبي محيقن لمعوية جئتك من عند اعياء العرب يعنى عليا عليه السلام فقال له معوية ويحك والله ماسن الفصاحة لقريش غيره واما حسن الأخلاق وطلاقة الوجه فهى معروفة فيه حتى عابه أعدائه وقد قال في ذلك عمرو بن العاص انه ذو دعابة شديدة وقد اخذها من عمر حيث قال لعلي عليه السلام لله أبوك لولا دعابة فيك وقال معوية لقيس بن سعد رحم الله عليا عليه السلام كان هشاشا بشاشا ذا فكاهة فقال قيس كان رسول الله يمزح ويتبسم مع أصحابه انه والله لكان من تلك الفكاهة والطلاقة أهيب من ذي لبد قد مسه الطوى تلك هيبته التقوى لا كما يهابك طغاة أهل الشام قال ابن أبي الحديد وقد بقى هذا الخلق متوارثا في محبيه إلى الان كما بقى الجفاء والخشونة والوعورة في الجانب الآخر واما حاله سلام الله عليه في الرأي والتدبير وحسن السياسة فمعلوم لمن تأمل في مواقعه ومشاهده وخصوصا بعد ما صدر بعد استقامة الامر له وكانت تعظمه الفلاسفة وتصور ملوك الإفرنج والروم صورته في بيتها وبيوت عباداتها حاملا سيفه مشمرا للحرب وتصورها ملوك الترك والديلم على أسيافها وكانت على سيف عضد الدولة بن بابويه وسيف الله ركن الدولة وعلي سيف البارسلان وسيف ابنه ملك شاه واما السخاوة والجود في الله صلوات الله عليه فيه ظاهر كان يصوم ويظوى ويؤثر زاده وروى أنه لم يملك إلا
(١٦)