لدفع عار عدم الاستحقاق ولفاتت لذة السلامة والنجاة وعلو الدرجة والاختصاص بمن أخلص الله والتكليف انما يكون تكليفا حيث يخالف الهواء والإرادة ولما كان المكلفون على أقسام منهم ذو كسل يشق عليه العمل ومنهم من غلب عليه حب المال ومنهم من غلب عليه حب الملاذ من الطعام والشراب والنساء ومنهم من غلب عليه حب الأهل والوطن وعدم الخروج عن المسكن ومنهم من غلب عليه حب الحياة فاختبر بالصلاة والزكاة وما يشبههما مما يتعلق بالمال أو البدن وبالصيام المانع عن الملاذ وبالحج للمفرق عن الأهل والوطن و بالجهاد الباعث عن ذهاب النفوس وإذا تأملت في جميع التكاليف واجباتها ومحظوراتها وجدتها راجعة إلى مثل ما ذكرنا ثم إن هذه العبادات صور ولها حقايق تشير إليها وأسباب هي الباعثة عليها فالامر بالطهارة الصورية يشير إلى الطهارة المعنوية والركوع والسجود وجميع اجزاء الصلاة تشير بخشوعها وتذللها الظاهري إلى طلب الحقيقة المعنوية والصيام إلى الامساك عن المعاصي وهكذا و مرجع الجميع إلى حب الله تعالى فان المحب الحقيقي يبذل نفسه وبدنه وشهوة نفسه وأهله ووطنه في رضاء محبوبه وكذا المملوك إذا اشتد خوفه من مولاه بذل جميع ذلك المقام الثالث في مشتركات العبادات البدنية وهي أمور منها انه كما يؤمر المكلف بفعل الواجبات من الصوم والصلاة والطهارة وغيرها وترك المعاصي وتراد منه كذلك يراد منه ان يحمل عياله وأهل بيته على فعلها وتركها بخطاب لين ثم خشن في غير الوالدين ثم هجر واعراض بوجهه كذلك ثم في المنام لطالبه ثم ضرب من دون استيذان من حاكم الشرع من غير فرق بين عبده وزوجته وغيرهما وكل من كان عاصيا مهملا قريبا أو بعيدا مع العلم وظن التأثر وعدم ترتب الفساد أو الازدياد منه أو من غيره مع احتمال المعاودة وعدمها الا ان يسبق منه التوبة وتثبت عند الامر والناهي يجب حمله على ذلك ويجرى الحكم في جميع الواجبات والمحظورات ويستحب (له الامر بالمستحبات والنهي عن المكروهات) له ذلك في المستحبات والمكروهات على وجه الايجاب أو الندب وقد ابتلى الناس بترك الامر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى أن كثيرا من العلماء والصلحاء وقع عليهم أعظم البلاء يرون ان الله يعصى بالعيان ولا ينصرونه باليد ولا باللسان فلا يردون أحدا عن معصية الملك العلام ولو كان من الأزواج أو الأولاد أو الخدام وربما كان اثمهم أعظم من اثم الفاعل لان العامل تحمله اللذة وحب الراحة على المعصية والمغضى انما حمله قلة الاكتراث والاعتناء بنصرة خالق الأرض والسماء هذا إذا كان التارك للواجب أو الفاعل للحرام مقصرا لعدم معذوريته إما لو كان معذورا لجهل محض في الحكم يعذر به أو بالموضوع أو سهوا أو نسيان أو نوم أو دهشة أو فرح أو هم غالبة عليه فيختلف الحال باختلاف الأحوال لان ذلك إن كان في أمر الاعراض كهتك النساء وسبيهن لتوهم الكفر المسوغ لذلك ويتبعه الاغتياب والهجو مع معذورية الفاعل لنسبة إلى فسق قد اشتبه بنسبته إليه أو في الدماء والجروح كما إذا كان مشتبها بأنه كافر ويستحق القصاص عليه أو في المجال (الحال) التي أمر الله تعالى بتعظيمها لشرافتها كما إذا اشتبه بمسجد أو روضة محترمة فأراد التخلي فيها وكذا جميع ما علم من تتبع الشرع عدم اختصاص التكليف بالفاعل المباشر بل يشاركه المطلع (فيها فيجب التنبيه) وإذا كان في المال كاتلاف مال المسلم مع اشتباهه بماله أو زعم المأذونية فيه أو مال فيه الخمس والزكاة فلا يبعد الحاقه بما سبق والحمل على المنكر أشد اثما من ترك النهي عنه وليس منه حمل الغير على المعصية بتسليم ماله إليه لا من جهة عمل حرام استند إليه بل من جهة حرمة الاخذ عليه كالدفع إلى السارق والعشار مع الاختيار لتسلط رب المال على ماله ولما علم من تتبع الاخبار والسيرة الظاهرة ظهور الشمس في رابعة النهار ولا المعاملة على تحصيل حق يصلح مع مبطل وان علم ابطاله و حرمة الصلح من جانبه وكذا طلب اليمين من المدعي أو المنكر مع العلم وجحوده وحرمة اليمين عليه وحمله على البراءة ولعن نفسه وقضية اللعان والمباهلة والحمل على كشف العورة لمعرفة البلوغ (مع العلم بعلمه بالبلوغ) وكذا المصالحة على يمين المنكر باسقاط حق المدعي مع علم المدعي بعلم المنكر بثبوت حقه من حاكم عدل أو جور أو نحوهما ولا اعتبار لحضور المجتهد لأنها معاملة لا مرافعة وكذا مصالحة المدعي على اليمين المردودة لاثبات حقه على المنكر وسببية الالزام تكون بطريق الحلال والحرام وليس من النهي عن المنكر ما يرجع إلى النفس لأنه مقام عفو و يحتمل ضعيفا استثناء المجتهد لنيابته وفي ما علم من سيرة الأنبياء والأئمة (ع) ما ينفيه والجبر على المعصية معصية وان لم تكن معصية في حق المجبور لقوة السبب وضعف المباشرة واما ما تعلق بالعبادات كالطهارات ونحوها فإن كان فيما يصح مع الجهل كالطهارة من الخبث فيما لا يتوقف الطهارة من الحدث على زواله وبالجهر والاخفات والقصر والاتمام في محل العذر والاستقبال بين المشرق والمغرب انكشاف العورة في الصلاة فلا يلزم التنبيه عليه بل لا يستحب فيما عدى الأخير لأنها من الشرائط العلمية دون الوجودية واما ما كان من الشرائط الوجودية أو التكاليف الأصلية كالطهارة من الحدث ولبس غير الخز من غير المأكول أو الحرير والذهب للرجال والعبادات الأصلية كالصلاة والصيام ونحوها مع الوجوب أو الندب أو المحرمات الشرعية كأكل النجس ولحم الميت وشرب الفقاع ونحوها فلا يجب تنبيه النائب والغافل ونحوهما عليها والظاهر أنه يستحب ذلك لان ذلك حال المماليك في حق مالكهم ولأنه يدخل في باب شكر النعمة ولأنه يرجح في نظر العقل تنبيه النائم والغافل خوفا من فوات بعض الملاذ الجزئية الدنيوية عليه من مأكول ونحوه فكيف لا
(٦٩)