وقد سمى العرب النساء حرثا. قال المفضل بن سلمة: أنشدني أبي:
إذا أكل الجراد حروث قوم، * فحرثي همه أكل الجراد يريد امرأتي (فأتوا حرثكم) أي: موضع حرثكم يعني نساءكم (أنى شئتم):
معناه من أين شئتم، عن قتادة والربيع. قيل: كيف شئتم، عن مجاهد. وقيل:
متى شئتم، عن الضحاك. وهذا خطأ عند أهل اللغة، لأن أنى لا يكون إلا بمعنى من أين كما قال: (أنى لك هذا). وقيل: معناه من أي وجه، واستشهد بقول الكميت:
أنى ومن أين آبك الطرب، * من حيث لا صبوة، ولا ريب (1) وليس في البيت شاهد لهم، لأنه لا يجوز أن يكون أتى به لاختلاف اللفظين كما يقولون متى كان هذا؟ وأي وقت كان؟ ويجوز أن يكون بمعنى كيف، واستدل مالك بقوله (أنى شئتم) على جواز إتيان المرأة في دبرها، ورواه عن نافع، عن ابن عمر، وحكاه زيد بن أسلم، عن محمد بن المنكدر، وبه قال كثير من أصحابنا.
وخالف في ذلك جميع الفقهاء، وقالوا: إن الحرث لا يكون إلا بحيث النسل، فيجب أن يكون الوطء حيث يكون النسل؟ فأجيبوا عن ذلك بأن النساء وإن كن لنا حرثا، فقد أبيح لنا وطؤهن بلا خلاف في غير موضع الحرث، كالوطء فيما دون الفرخ، وما أشبهه.
وقوله: (وقدموا لأنفسكم) معناه: قدموا الأعمال الصالحة التي أمرتم بها، ورغبتم فيها، لتكون ذخرا لكم عند الله. ووجه اتصاله بما قبله أنه لما تقدم الأمر بعدة أشياء قال بعدها (وقدموا لأنفسكم) بالطاعة فيما أمرتم به (واتقوا الله) واتقوا عقاب الله بترك مجاوزة الحد فيما بين لكم. وفي ذلك الحث على العمل بالواجب الذي عرفوه، والتحذير من مخالفة ما ألزموه. وقيل: معنى التقديم هنا طلب الولد، فإن في اقتناء الولد الصالح يكون تقديما عظيما، لقوله: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا عن ثلاث: ولد صالح يدعو له، وصدقة جارية، وعلم به ينتفع بعد موته.
وقيل: هو تقديم الإفراط (2) لقوله: " من قدم ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث (3)، لم