تحتجوا بما فد سلف من اليمين، عن ابن عباس ومجاهد والربيع، وأصله في هذا القول والأول واحد، لأنه منع من جهة الاعتراض لعلة أو حجة.
والثالث: إن معناه: لا تجعلوا اليمين بالله عدة مبتذلة (1) في كل حق وباطل، لأن تبروا في الحلف بها، وتتقوا المآثم فيها، عن عائشة، لأنها قالت: لا تحلفوا به وإن بررتم، وبه قال الجبائي، وأبو مسلم، وهو المروي عن أئمتنا، نحو ما رواه عثمان بن عيسى، عن أبي أيوب الخزار، قال: سمعت أبا عبد الله يقول: لا تحلفوا بالله صادقين، ولا كاذبين، فإنه سبحانه يقول: (ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم).
قال أبو مسلم: ومن أكثر ذكر شئ في معنى، فقد جعله عرضة له. وتقول: جعلتني عرضة لقومك، قال الشاعر: " ولا تجعليني عرضة للوائم " وتقديره على الوجه الأول والثاني: لا تجعلوا الله مانعا من البر والتقوى باعتراضك به حالفا. وعلى الوجه الثالث: لا تجعلوا الله مما تحلف به دائما باعتراضك بالحلف به في كل حق وباطل.
وقوله: (أن تبروا) قيل في معناه أقوال الأول: لأن تبروا على معنى الإثبات أي: لأن تكونوا بررة أتقياء، فإن من قلت يمينه كان أقرب إلى البر ممن كثرت يمينه. وقيل: لأن تبروا في اليمين. والثاني: إن المعنى لدفع أن تبروا، أو لترك أن تبروا، فحذف المضاف، عن المبرد. والثالث: إن معناه أن لا تبروا، فحذف لا، عن أبي عبيدة قال: وقد حذف لا، لأنه في معنى القسم، كقول امرئ القيس:
" فقلت يمين الله أبرح قاعدا " أي: لا أبرح. وأنكر المبرد هذا لأنه لما كان معه أن، بطل أن يكون جوابا للقسم، وإنما يجوز والله أقوم في القسم بمعنى لا أقوم، لأنه لو كان إثباتا لقال: لأقومن باللام والنون. والمعنى في قول أبي العباس وأبي عبيدة واحد، والتقدير مختلف.
(وتتقوا) أي: تتقوا الإثم والمعاصي في الأيمان (وتصلحوا بين الناس) في الأيمان، وتصلحوا بين الناس عطف. على ما سبق، ومعناه، ولا تجعلوا الحلف بالله علة، أو حجة في أن لا تبروا، ولا تتقوا، ولا تصلحوا، لكي تكونوا من البررة والأتقياء والمصلحين بين الناس، أو لدفع أن تبروا وتتقوا وتصلحوا. وعلى الوجه الثالث: لا تجعلوا اليمين بالله مبتذلة، لأن تبروا وتتقوا وتصلحوا أي: بين الناس، فإن كثرت يمينه لا يوثق بحلفه، ومن قلت يمينه فهو أقرب إلى التقوى والإصلاح بين