محمد! أتريد أن نعبدك ونتخذك إلها؟ فقال: معاذ الله أن أعبد غير الله، أو آمر بعبادة غير الله! ما بذلك بعثني، ولا بذلك أمرني. فأنزل الله الآية، عن ابن عباس وعطاء. وقيل: نزلت في نصارى نجران، عن الضحاك ومقاتل. وقيل: إن رجلا قال: يا رسول الله! نسلم عليك كما يسلم بعضنا على بعض، أفلا نسجد لك؟
قال: " لا ينبغي أن يسجد لأحد من دون الله، ولكن أكرموا نبيكم، واعرفوا الحق لأهله ". فأنزل الله الآية.
المعنى: لما تقدم ذكر أهل الكتاب، وأنهم أضافوا ما يتدينون به إلى الأنبياء، نزههم الله عن ذلك، فقال: (ما كان لبشر) يعني: ما ينبغي لبشر كقوله: (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا). و (ما كان لنا أن نتكلم بهذا) أي: لا ينبغي. وقيل:
لا يجوز معناه لبشر، ولا يحل له (أن يؤتيه الله) أن: يعطيه الله (الكتاب والحكمة والنبوة) أي: العلم أو الرسالة إلى الخلق. (ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله) أي: اعبدوني من دونه، أو اعبدوني معه، عن الجبائي. وقيل: معناه ليس من صفة الأنبياء الذين خصهم الله لرسالته، واجتباهم لنبوته، وأنزل عليهم كتبه، وجعلهم حكماء علماء، أن يدعوا الناس إلى عبادتهم. وإنما قال ذلك على جهة التنزيه للنبي " صلى الله عليه وآله وسلم "، عن مثل هذا القول، لا على وجه النهي.
وقوله: (عبادا) هو من العبادة، قال القاضي: وعبيد بخلافه، لأنه بمعنى العبودية. ولا يمتنع أن يكونوا عبادا لغيره. (ولكن كونوا ربانيين) فيه حذف أي:
لا ينبغي لهذا القول أن يقول للناس اعبدوني، ولكن ينبغي أن يقول لهم كونوا ربانيين. وفيه أقوال أحدها: إن معناه كونوا علماء فقهاء، عن علي وابن عباس والحسن. وثانيها:
كونوا علماء حكماء، عن قتادة والسدي وابن أبي رزين. وثالثها: كونوا حكماء أتقياء، عن سعيد بن جبير ورابعها: كونوا مدبري أمر الناس في الولاية بالإصلاح، عن ابن زيد وخامسها: كونوا معلمين للناس من علمكم، كما يقال: أنفق بمالك أي: أنفق من مالك، عن الزجاج.
وروي عن النبي أنه قال: " ما من مؤمن، ولا مؤمنة، ولا حر، ولا مملوك، إلا ولله عليه حق واجب أن يتعلم من العلم، ويتفقه فيه ". وقال أبو عبيدة: سمعت رجلا عالما يقول: الرباني العالم بالحلال الحرام، والأمر والنهي، وما كان وما يكون. وقال أبو عبيدة: لم تعرف العرب الرباني. وهذا فاسد، لأن القرآن نزل