المعنى: ثم ذكر سبحانه معائب القوم، وأن فيهم من تحرج عن العيب، فقال: (ومن أهل الكتاب من أن تأمنه بقنطار) أي: تجعله أمينا على قنطار أي:
مال كثير على ما قيل فيه من الأقوال التي مضى ذكرها في أول السورة (يؤده إليك) عند المطالبة، ولا يخون فيه.
(ومنهم من إن تأمنه بدينار) أي: على ثمن دينار. والمراد: تجعله أمينا على قليل من المال، (لا يؤده إليك) عند المطالبة، وهم كفار اليهود بالإجماع (إلا ما دمت عليه قائما) معناه: إلا أن تلازمه وتتقاضاه، عن الحسن وابن زيد. قيل: إلا أن تدوم قائما بالتقاضي والمطالبة، عن قتادة ومجاهد. وقيل: إلا ما دمت عليه قائما بالاجتماع معه والملازمة، عن السدي قال: ما دمت عليه قائما أي: ملحا عن ابن عباس (ذلك) أي: ذلك الاستحلال والخيانة.
(بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل) هذا بيان العلة التي كانوا لأجلها لا يؤدون الأمانة، ويميلون إلى الخيانة أي: قالت اليهود ليس علينا في أموال العرب التي أصبناها سبيل، لأنهم مشركون، عن قتادة والسدي. وقيل: لأنهم تحولوا عن دينهم الذي عاملناهم عليه، وذلك أنهم عاملوا جماعة منهم، ثم أسلم من له الحق، وامتنع من عليه الحق، من أداء الحق. وقالوا: إنما عاملناكم، وأنتم على ديننا، فإذا فارقتموه سقط حقكم. وادعوا أن ذلك في كتبهم فأكذبهم الله في ذلك بقوله ويقول على الله الكذب وهم يعلمون) أنهم يكذبون، لأن الله أمرهم بخلاف ما قالوا، عن الحسن وابن جريج. وإنما سموهم (أميين) لعدم كونهم من أهل الكتاب، أو لكونهم من مكة، وهي أم القرى.
ثم الله تعالى رد عليهم قولهم فقال: (بلى) وفيه نفي لما قبله، وإثبات لما بعده، كأنه قال: ما أمر الله بذلك، ولا أحبه، ولا أراده، بل أوجب الوفاء بالعهد، وأداء الأمانة (من أوفى بعهده) يحتمل أن يك. ن الهاء في بعده، عائدة على اسم الله في قوله (ويقولون على الله الكذب) فيكون معناه بعهد الله، وعهد الله إلى عباده: أمره ونهيه. ويحتمل أن يكون عائدة إلى (من) ومعناه: من أوفى بعهد نفسه، لأن العهد تارة إلى العاهد، وتارة إلى المعهود له (واتقى) الخيانة، ونقض العهد (فإن الله يحب المتقين) معناه: فإن الله يحبه، إلا أنه عدل إلى ذكر المتقين ليبين الصفة التي يجب بها محبة الله، وهذه صفة المؤمن، فكأنه قال: والله يحب