عن ابن عباس. وقد سماهم الله شهداء بقوله (لتكونوا شهداء على الناس) أي: من الشاهدين بالحق من عندك. هذا كله حكاية قول الحواريين. وروي أنهم اتبعوا عيسى، وكانوا إذا جاعوا قالوا: يا روح الله! جعنا. فيضرب بيده على الأرض، سهلا كان أو جبلا، فيخرج لكل انسان منهم رغيفين يأكلهما. وإذا عطشوا قالوا: يا روح الله! عطشنا. فيضرب بيده على الأرض، سهلا كان أو جبلا، فيخرج ماء فيشربون. قالوا: يا روح الله من أفضل منا، إذا شئنا أطعمتنا، وإذا شئنا سقيتنا، وقد آمنا بك واتبعناك؟ قال: أفضل منكم من يعمل بيده، ويأكل من كسبه. فصاروا يغسلون الثياب بالكراء.
وقوله: (ومكروا) يعني: كفار بني إسرائيل الذين عناهم الله بقوله: (فلما أحس عيسى منهم الكفر) الآية ومعناه: دبروا لقتل عيسى " عليه السلام " (ومكر الله) أي:
جازاهم على مكرهم. وسمى المجازاة على المكر مكرا، كما قال الله تعالى: (الله يستهزئ بهم) وجاء في التفسير: إن عيسى بعد اخراج قومه إياه من بين أظهرهم، عاد إليهم مع الحواريين، وصاح فيهم بالدعوة، فهموا بقتله، وتواطؤوا على الفتك به، فذلك مكرهم به، ومكر الله بهم إلقاؤه الشبه على صاحبهم الذي أراد قتل عيسى، حتى قتل وصلب، ورفع عيسى إلى السماء.
وقال ابن عباس: لما أراد ملك بني إسرائيل قتل عيسى " عليه السلام "، دخل خوخته، وفيها كوة. فرفعه جبرائيل من الكوة إلى السماء، وقال الملك لرجل منهم خبيث:
أدخل عليه فاقتله. فدخل الخوخة فألقى الله عليه شبه عيسى، فخرج إلى أصحابه يخبرهم أنه ليس في البيت فقتلوه وصلبوه، وظنوا أنه عيسى. وقال وهب: أسروه، ونصبوا له خشبة ليصلبوه، فأظلمت الأرض، وأرسل الله الملائكة، فحالوا بينه وبينهم فأخذوا رجلا يقال له يهوذا، وهو الذي دلهم على المسيح، وذلك أن عيسى جمع الحواريين تلك الليلة، وأوصاهم، ثم قال: ليكفرن بي أحدكم قبل أن يصيح الديك، ويبيعني بدراهم يسيرة. فخرجوا وتفرقوا. وكانت اليهود تطلبه، فأتى أحد الحواريين إليهم فقال: ما تجعلوا لي إن أدلكم عليه؟ فجعلوا له ثلاثين درهما، فأخذها، ودلهم عليه. فألقى الله عليه شبه عيسى " عليه السلام " لما دخل البيت، ورفع عيسى، فأخذ فقال: أنا الذي دللتكم عليه! فلم يلتفتوا إلى قوله، وصلبوه وهم يظنون أنه عيسى. فلما صلب شبه عيسى " عليه السلام " وأتى على ذلك سبعة أيام، قال الله عز وجل لعيسى: اهبط على مريم لتجمع لك الحواريين، وتبثهم في الأرض دعاة.