(ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر) والآخر: إن تقديره ولكن البار من اتقى، وضع المصدر موضع الصفة.
النزول: روي أن معاذ بن جبل قال: يا رسول الله! إن اليهود يكثرون مسألتنا عن الأهلة. فأنزل الله هذه الآية. وقال قتادة: ذكر لنا أنهم سألوا رسول الله: لم خلقت هذه الأهلة؟ فانزل الله هذه الآية.
المعنى: ثم بين شريعة أخرى، فقال: (يسألونك عن الأهلة) أي: أحوال الأهلة في زيادتها ونقصانها. ووجه الحكمة في ذلك (قل) يا محمد (هي مواقيت للناس والحج) أي: هي مواقيت يحتاج الناس إلى مقاديرها في صومهم، وفطرهم، وعدد نسائهم، ومحل ديونهم وحجهم. فبين سبحانه أن وجه الحكمة في زيادة القمر ونقصانه، ما تعلق بذلك من مصالح الدين والدنيا، لأن الهلال لو كان مدورا أبدا مثل الشمس، لم يمكن التوقيت به. وفيه أوضح دلالة على أن الصوم لا يثبت بالعدد، وأنه يثبت بالهلال لأنه سبحانه نص على أن الأهلة هي المعتبرة في المواقيت، والدلالة على الشهور. فلو كانت الشهور إنما تعرف بطريق العدد، لخص التوقيت بالعدد، دون رؤية الأهلة. لأن عند أصحاب العدد، لا عبرة برؤية الأهلة في معرفة المواقيت.
وقوله: (وليس البر بأن تأتوا البيوت من طهورها) فيه وجوه أحدها: إنه كان المحرمون لا يدخلون بيوتهم من أبوابها، ولكنهم كانوا ينقبون في ظهر بيوتهم أي:
في مؤخرها نقبا يدخلون ويخرجون منه، فنهوا عن التدين بذلك، عن ابن عباس وقتادة وعطا، ورواه أبو الجارود عن أبي جعفر " عليه السلام " وقيل: إلا أن الحمس وهو قريش وكنانة وخزاعة وثقيف وجشم وبنو عامر بن صعصعة، كانوا لا يفعلون ذلك، وإنما سموا حمسا لتشددهم في دينهم. والحماسة: الشدة. وقيل: بل كانت الحمس تفعل ذلك، وإنما فعلوا ذلك حتى لا يحول بينهم وبين السماء شئ.
وثانيها: إن معناه ليس البر أن تأتوا البيوت من غير جهاتها، وينبغي أن تأتوا الأمور من جهاتها أي الأمور كان، وهو المروي عن جابر، عن أبي جعفر. وثالثها:
إن معناه ليس البر طلب المعروف من غير أهله، وإنما البر طلب المعروف من أهله.
(ولكن البر من اتقى) قد مر معناه.
(وأتوا البيوت من أبوابها): قد مضى معناه. وقال أبو جعفر: آل محمد