(ولا يأب كاتب) أي: ولا يمتنع كاتب من (أن يكتب) الصك على الوجه المأمور به (كما علمه الله) من الكتابة بالعدل. وقيل: كما فضله الله تعالى بتعليمه إياه، فلا يبخل على غيره بالكتابة واختلف في الكتابة هل هي فرض أم لا فقيل: هي فرض على الكفاية، كالجهاد ونحوه، عن الشعبي وجماعة من المفسرين، واختاره الرماني والجبائي، وجوز الجبائي أن يأخذ الكاتب والشاهد الأجرة على ذلك.
قال الشيخ أبو جعفر الطوسي: وعندنا لا يجوز ذلك، والورق الذي يكتب فيه على صاحب الدين دون من عليه الدين، ويكون الكتاب في يده، لأنه له. وقيل:
واجب على الكاتب أن يكتب في حال فراغه، عن السدي. وقيل: واجب عليه أن يكتب إذا أمر، عن مجاهد وعطا. وقيل: إن ذلك في الموضع الذي لا يقدر فيه على كاتب غيره، فيضر بصاحب الدين إن امتنع، فإذا كان كذلك فهو فريضة، وإن قدر على كاتب غيره فهو في سعة إذا قام به غيره، عن الحسن. وقيل: كان واجبا، ثم نسخ بقوله (ولا يضار كاتب ولا شهيد)، عن الضحاك.
(فليكتب) أمر للكاتب أي: فليكتب الصك على الوجه المأمور به، وكانت الكتبة على عهد رسول الله " صلى الله عليه وآله وسلم " فيهم قلة، فلذلك أكد بقوله (فليكتب) إذ الجمع بين الأمر بالشئ، والنهي عن تركه، أدعى إلى فعله، من الاقتصار على أحدهما.
ثم بين سبحانه كيفية الإملاء على الكاتب، فقال سبحانه: (وليملل الذي عليه الحق) يعني المديون يقر على نفسه بلسانه، ليعلم ما عليه فليكتب (وليتق الله ربه) أي: الذي عليه الحق في الإملاء (ولا يبخس) أي: ولا ينقص (منه) أي: من الحق (شيئا) لا من قدره، ولا من صفته.
ثم بين الله تعالى حال من لا يصح منه الإملاء، فقال: (فإن كان الذي عليه الحق سفيها) أي: جاهلا بالاملاء، عن مجاهد. وقيل: صغيرا طفلا، عن السدي والضحاك. وقيل: عاجزا أحمق، عن ابن زيد (أو ضعيفا) أي: ضعيف العقل من عته أو جنون، وقيل: شيخا خرفا (أو لا يستطيع أن يمل هو) أي: مجنونا.
وقيل: عييا أخرس، عن ابن عباس. وقيل: الأقرب أن يحمل على ثلاث صفات، لكيلا يؤدي إلى التكرار.
ثم اختلف في ذلك فقيل: السفيه: المجنون، والضعيف: الصغير، ومن لا يستطيع أن يمل: الأخرس ونحوه، ثم يدخل في كل واحد من هو في معناه. وقيل: