كتنفس الذبيحة أو كون رأسها في مكان عال وسائرها في مكان منخفض أو يكن جزء من عضو محرم كالطحال والتقييد بالبطن في روض الجنان وبتضاعيف اللحم في المفاتيح كأنهما من باب التمثيل واستدلوا بتقييد الدم المحرم في الآية الكريمة بالمسفوح فيبقى ما عداه على أصالة الإباحة فيكون طاهرا ويتقيد به عمومات نجاسة الدم واطلاقاته وبانا نعلم ضرورة حلية اللحم وأنه كان يتعارف أكله في أعصار النبي والأئمة صلوات الله عليهم من غير نكير مع أنه لا ينفك عن دم في خلاله يظهر بالطبخ فلو كان نجسا لما ساغ أكل اللحم أصلا وهو خلاف الضرورة من الدين فإن قلت يجوز أن يكون عفوا قلت إن أردت العفو المطلق فالنزاع لفظي وإن أردت العفو في الأكل فقط فالحرج وكونه أيضا خلاف الضرورة باق بحاله إذ نعلم بالضرورة أنهم بعد أكل اللحم ما كانوا يتحرزون عنه بتطهير الأيدي والأفواه والقدور والأواني وسائر الملاقيات د اختصاصه بالمذبوح الشرعي فإن المذبوح الغير الشرعي ميتة فتكون أعضاؤه الطاهرة نجسة فضلا عن دمه سواء كان مما يقبل التذكية أم لا وظاهر الاطلاق يقتضي أنه لا فرق في المذبوح الشرعي بين مأكول اللحم وغيره عند المصنف وموافقيه وهو مشكل جدا إذ لا يستقيم الاستدلال في الثاني بأصالة الطهارة لأن عمومات نجاسة الدم مخرجة عنه لا بالتقييد في الآية لأنها مسوقة لبيان نفي التحريم دون الطهارة وإنما يستدل بها لها في الأول لأن الإباحة ملزومة لها وهي منتفية في الثاني والاجماع المنقول على نجاسة دم ما له نفس ينطوي عليه وقد صرح به بعضهم فليتأمل المحتاط وليستيقن ه نجاسة المني كما نقل عليه اجماع الأصحاب وتظافرت به الأخبار وما يدل على جواز الصلاة فيه يحتمل الحمل على التقية وخصت في المشهور بما له نفس لأنه الفرد المعهود المتعارف فيكون هو المتبادر فتنصرف إليه اطلاقات الروايات ويبقى ما عداه على حكم الأصل وبمثل هذا البيان يناقش في شموله لما عدا مني الانسان لأنه الفرد المتكرر غالبا وأكثر ملاقاة الانسان إنما يكون معه فظاهر السؤلات والأحكام اختصاصها به فعلى هذا إن ثبت الاجماع على وجه يكون حجة وإلا فللبحث مجال وقد يستدل للتعميم بصحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) قال ذكر المني فشدده وجعله أشد من البول فإنه وإن شهدت القرائن الحالية في مثله بإرادة المني الانسان إلا أن فيه اشعارا بكونه أولى بالتنجيس من البول فكلما حكم بنجاسة بوله ينبغي أن يكون لمنيه هذه الحالة وربما كان هذه القدر كافيا مع الاجماع المنقول وعدم ظهور مخالف فيه وفيه أنه بعد تسليم أن الظاهر فيها إرادة مني الانسان فغاية ما تدل عليه أن مني الانسان أشد من بوله وهذا لا يستلزم أن يكون مني غيره أيضا كذلك أصلا و حمل المني والبول في غيره على منيه وبوله قياس لا نقول به مع أنه لا يثبت به أيضا المطلوب بتمامه والميتة منه آدميا أو غيره بريا أو مائيا وصرحوا في الآدمي بأن هذا الحكم إنما يتعلق به بعد البرد وقبل الغسل ونقلوا على جميع ذلك الاجماع إلا ما يلوح من كلام الشيخ في الخلاف من طهارة ميتة الحيوان المائي وربما يبنى على الغالب من انتفاء النفس عنه وفيه نظر وفي حكمها أبعاضها أيضا اجماعا الا ما يلوح من الصدوق في الفقيه حيث روى عن أبي عبد الله (ع) انه سئل عن جلود الميتة يجعل فيها اللبن والماء والسمن ما ترى فيه فقال لا بأس بان تجعل فيها ما شئت من ماء أو لبن أو سمن وتتوضأ منه وتشرب ولكن لا تصل فيها وكذا ما قطع من الحيوان الحي كالالية ونحوها ولا بأس فيهما بلا خلاف بالعشرة الاجزاء الفقيدة للحيوة وهي الشعر والوبر والصوف والقرن والناب والظلف و الظفر والعظم والبيضة والأنفحة وربما يزاد الحافر والريش والمنقار وفي درجها جميعا تحت الوصف المذكور تنبيه على علة الحكم وهي عدم صدق الموت عليها لأنه فرع الحياة وفي صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (ع) لا بأس بالصلاة فيما كان من صوف الميتة أن الصوف ليس فيه روح وقد يناقش في كون العظم منها بقوله سبحانه قل يحييها الذي أنشأها أول مرة إذ الاحياء مستلزم للحياة ويجاب بأن الاحياء حقيقة إنما هو لأصحاب العظام وإنما نسب إليها تجوزا نعم يتجه المناقشة في خصوص السن فإن له حسا لا ينكر وقد صرح بذلك صاحب القانون أيضا والجواب بأن صاحب القانون عندنا غير مقبول في مقابل كلام أهل العصمة صلوات الله عليهم إن صح فإنما يصح لو ثبت عنهم (ع) التنصيص بأن السن مما لا تحله الحياة وهو ممنوع وإنما ثبت ذكر السن في حسنة الحسين بن زرارة قال كنت عند أبي عبد الله (ع) وأبي يسأله عن السن من الميتة واللبن والبيضة فقال كل هذا أزكى وحسنته الأخرى قال سأله أبي وأنا حاضر عن الرجل يسقط سنه فيأخذ سن انسان ميت فيجعله مكانه قال لا بأس به ومرسلة الفقيه المسندة في باب العشرات من الخصال في الصحيح عن ابن أبي عمير يرفعه إلى أبي عبد الله (ع) قال عشرة أشياء من الميتة ذكية القرن والحافر والعظم والسن والأنفحة واللبن والشعر والصوف والريش والبيض ولا منافاة فيها لكلام الشيخ بوجه وقد وقع في بعض الأخبار تقييد البيضة بما إذا اكتست الجلد الغليظ كما ذهب إليه جماعة وما يوجد في بعض كلمات العلامة من تقييدها بما إذا كانت من مأكول اللحم لا يعرف له دليل ولا موافق والأنفحة بكسر الهمزة وكسر الفاء وفتحها لبن مستحيل في جوف السخلة يصنع بها الجبن كذا يستفاد من الروايات وطهارة اللبن مما أفتى به جماعة من الأصحاب بل نقل الاجماع فيها من الخلاف وتوقف فيها المتأخرون وهو في محله ويأتي لهذا تتمة في كتاب المعيشة والكلب والخنزير غير المائيين صرفا للاطلاقات الواردة في نجاستهما إلى الأفراد المتبادرة فيبقى ما عداها على حكم الأصل ومنهم من صرح بالتعميم وهو افراط بإزاء تفريط من فرق بين كلب الصيد وغيره وفي حكمهما أبعاضهما مطلقا على المشهور خلافا لمن استثنى ما لا تحله الحياة منهما كما في الميتة والكافر مطلقا وهو من أنكر ما علم ثبوته من الدين ضرورة كلا أو بعضا وإن أقر بجميع ما عداه من الأصول الخمسة وغيرها كمستحل ترك الصلاة
(٩١)