التحفة السنية (مخطوط) - السيد عبد الله الجزائري - الصفحة ٦٧
التوفيق على الطاعة بتهيئة أسبابها والعصمة عن المعصية بالتثبيط عنها وهي وإن كانت أحوالا دنيوية لأنها قبل الموت وربما تشتمل على حظوظ عاجلة أيضا إلا أن الغالب فيها حظ الدين فمن ثم تنسب إليه وهي أعظم من الدنيوية المحضة لأنها نعم في أنفسها ومباد لنعم أخرى دائمة لايصالها إلى السعادة الأبدية من اللذات العقلية والحسية التي لا نهاية لها والانجاء عن الشقاوة السرمدية وهي الآلام كذلك والمراد بالسرمد هنا ما يرادف الأبد وإن أريد به في غيره ما يعمه والأزل وأما قوله سبحانه خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض فإما أن يراد سماوات الآخرة وأرضها أو هو كناية عن الدوام والتأبيد في كلام العرب والقرآن نزل بلغتهم وفي الحديث النبوي وأحاديث أهل البيت صلوات الله عليهم أنه إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار جئ بالموت كأنه كبش أملح فيذبح ثم يقال خلود فلا موت أبدا وما يتوهم من أن في القول بتأبيد أهل الآخرة منافاة لما ورد من أنه سبحانه هو الباقي والآخر وكل شئ هالك إلا وجهه ونحو ذلك مما يدل على اختصاص البقاء الأبدي به (تع) فيجب حمل ما يدل به على التأييد على المكث المديد فمدفوع بأن المعلوم اختصاصه به عز وجل هو البقاء الذاتي ولا ينافي ذلك بقاء غيره بالغير وقد يترائى أن القول ببقائهم ملتذين أو متألمين إنما يستقيم في الأرواح المجردة بلذاتها وآلامها العقلية دون الأبدان ولذاتها وآلامها الحسية لأن القوى الجسمانية متناهية فلا يعقل خلود الحياة ولمثل هذا يقال بوجوب الموت في الدنيا وأيضا الرطوبة التي هي مادة الحياة تفنى بالحرارة سيما حرارة نار جهنم فيفضي إلى الفناء ضرورة وأيضا دوام الاحراق مع بقاء الحياة خروج عن قضية العقل وكل ذلك من باب قياس الغائب على الشاهد في غير محله فإن لاختلاف النشأة أثرا بينا في اختلاف أحكامها ولا يمتنع أن تكون الرطوبة الأصلية التي هي مادة الحياة محفوظة عن الفناء بحفظ القادر المختار وإنما المتحلل بالحرارة ما عداها من الأجزاء الغريبة الغذائية أو تكون هذه الأجزاء فيهم قائمة مقام الأجزاء الأصلية في قوام البنية كما هو ظاهر قوله (تع) كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها وبالجملة فليس هذا مما يصغى فيه إلى تشكيكات المتشككين وقد نقل عليه اجماع المليين وأما ما ورد في بعض شواذ الأخبار من أنه يأتي على جهنم حين تصطفق أبوابها فمعارض بظواهر الكتاب والسنة المتواترة وقد ورد من طريق أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) انكاره قال لا والله إنه الخلود على أنه أخص من المدعى وهذا كلام وقع في البين واشتراك الكفار في النعم الدنيوية مما يختص به الأبرار أجل واغتنام الأبرار زوال ما لا يهم منها لأنها مظنة الشغل عما هو أهم منها كما تقدم ومن ثم إذا رأوا الدنيا مقبلة قالوا ذنب عجلت عقوبته وإذا رأوا الفقر مقبلا قالوا مرحبا بشعار الصالحين وهذا التقسيم للنعمة إنما هو لجنسها العام ويندرج تحت كل من النوعين أنواع جزئية كثيرة وتحت كل منها أصناف شتى وتحت كل منها أفراد كثيرة وطلب الاحصاء لجميعها توقع المحال كما قال الله عز وجل وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها وإذا تأمل المتأمل في قرصة واحدة يتناولها وهي من مبتذلات النعم وما اجتمع فيها من الأجزاء العنصرية ثم ما عمل فيها من الأرض والماء والريح والحرارة المنضجة والسحاب والمطر و الظل وأضواء الكواكب والملائكة المدبرة لها وأيدي البشر العاملين عليها بالحرث والنثر والسقي والتربية والحصاد والتنقية والطحن والعجن والخبز وتهيئة آلات ذلك كله من الخشب والحديد والرباط والحيوان والإرادة المحركة لذلك الموقوفة على الادراك وخلق آلات الإرادة والادراك والتناول و صرف الموانع ثم في آلات الأكل والاغتذاء من الفم والأسنان والحلق والأمعاء والمعدة والكبد والطحال والرية والصفاقات والشرايين والأوردة وسائر العروق والقوى المودعة فيها وغير ذلك لعد من أنواع النعم الجليلة فضلا عن آحادها ما يحار فيه عقله ويتقاصر دونه فهمه وفي الحديث أن آدم (ع) لما هبط إلى الأرض احتاج إلى ألف عمل من أعمال اليد حتى صنع قرصة واحدة من خبز ثم احتاج إلى عمل آخر وهو أن يصبر حتى تبرد ليأكلها فسبحان من لا يحصي نعمه العادون والطريق إلى الشكر تحصيل المعرفة والتنبه لدقائق الأمور فإن النعم المتكررة يقل وقعها ويهون خطبها فيبقى شكرها مغفولا عنه وفي المشهور نعمتان مجهولتان الصحة والأمان وإذا سلبت تبين فقدها فلو أعيدت استعظمت وشكرت ومن ثمة ترى البصير لا يشكر نعمة البصر حتى إذا أصيبت عينه فعند ذلك لو أعيدت عليه عرفها نعمة وشكرها وكذا روح الهوا والنسيم الطيب الذي به قوام الحياة والتنفس لا يعد نعمة إلا بعد الابتلاء بمخنقة يشرف فيها على الهلاك فعند ذلك يعرف قدر تلك النعمة والقيام بواجب شكرها ويحكى أن بعض المريدين شكى إلى شيخه الفقر وسوء الحال وكثرة اغتمامه بذلك فقال له أيسرك أنك أعمى ولك عشرة آلاف درهم فقال لا قال أيسرك أنك أخرس ولك عشرة آلاف فقال لا قال أيسرك أنك مجنون ولك عشرة آلاف فقال لا قال أيسرك أنك أقطع اليدين والرجلين ولك عشرون ألفا قال لا قال أما تستحي أن تشكو مولاك وله عندك عروض بخمسين ألفا والتفكر في صنائعه (تع) وأن جميع ما في الكون من العلويات والسفليات كلها مسخرة موقوفة لمرافق الانسان وجميعها نعم فائضة عليه وله عليها الاستعلاء واليد هذا بالنسبة إلى النعم العامة ولا ينفك أحد من نعم مختصة يرى الأكثر خلوا عنها وإن وجد الأقل أكمل فيها ومن ثمة ترى المغبوطين عند كل أحد أقل من غيرهم فينبغي للبصير النظر إلى الأدنى في نعم الدنيا ليستعظم نعمة نفسه فيكتفي بها ويقوم بشكرها وإلى الأعلى في نعم الدين كالعلم و العمل ليستحقر خصال نفسه فلا يعجب بها ويتحرك لطلب الزيادة وفي الحديث من نظر في الدنيا إلى من فوقه وفي الدين إلى من دونه لم يكتبه الله لا صابرا ولا شاكرا وربما يلزم في الحال الواحد الصبر والشكر جميعا فإن الشئ الواحد قد يتألم به من وجه ويفرح به من آخر كالكي وقطع العضو المؤف فيصبر ويشكر
(٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الطهارة 16
2 باب جرايم الجوارح 17
3 باب التوبة 24
4 باب التدارك 27
5 باب الحد والتعزير 28
6 باب الجناية 35
7 باب ذمايم القلب 40
8 باب الصبر 42
9 باب الحلم 45
10 باب النصيحة 47
11 باب حب الخمولة 49
12 باب التواضع 52
13 باب الفقر 57
14 باب الزهد 60
15 باب السخا 63
16 باب الرضا 65
17 باب الشكر 66
18 باب الرجاء والخوف 68
19 باب قصر الامل 70
20 باب النية 72
21 باب الاخلاص 75
22 باب الصدق 79
23 باب التوحيد والتوكل 80
24 باب تطهير السر عما سوى الله 83
25 باب الماء 88
26 باب الأخباث وتطهيرها 90
27 باب آداب التخلي 95
28 باب الاتفاث وازالتها 96
29 باب آداب التنظيف 97
30 باب الاحداث ورفعها 100
31 باب الوضوء 102
32 باب الغسل 104
33 باب التيمم 110
34 كتاب الصلاة 111
35 باب الشرايط 112
36 باب الأوقات 118
37 باب المكان 121
38 باب اللباس 125
39 باب القبلة 127
40 باب النداء 129
41 باب الهيئة 130
42 باب الآداب والسنن 132
43 باب المكروهات 135
44 باب وظائف يوم الجمعة والخطبتين 136
45 باب آداب العيدين وسننهما 137
46 باب آداب الآيات وسننها 138
47 باب الجماعة 139
48 باب الخلل 141
49 باب التعقيب 145
50 باب الدعاء 146
51 باب فضل قراءة القرآن 148
52 كتاب الزكاة 150
53 باب التعداد والشرايط 150
54 باب المقادير والنصب 153
55 باب المصرف 154
56 باب الأداء 155
57 باب الخمس 156
58 باب المعروف 158
59 باب آداب المعطى 159
60 باب آداب الآخذ 162
61 كتاب الصيام 163
62 باب الشرايط 165
63 باب الهيئة 167
64 باب الآداب 168
65 باب فوايد الجوع 173
66 باب الاعتكاف 174
67 كتاب الحج 175
68 باب الشرايط 177
69 باب الهيئة 178
70 باب المحرمات 181
71 باب الخلل 190
72 باب حرمة الحرم 195
73 باب الزيارات 196
74 كتاب الحسبة 198
75 باب الجهاد 198
76 باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 201
77 باب إقامة الحدود 203
78 باب الفتيا 205
79 باب القضا 206
80 باب الشهادة 209
81 باب اخذ اللقيط 212
82 باب الحجر 212
83 كتاب البر 214
84 باب العطية 214
85 باب العتق 217
86 باب التدبير 219
87 باب الكتابة 220
88 باب النذر والعهد 220
89 باب اليمين 222
90 كتاب الكسب 224
91 باب الآداب 227
92 باب البيع 229
93 باب الربا 234
94 باب الشفعة 236
95 باب الشركة 237
96 باب القراض 238
97 باب الجعالة 240
98 باب الإجارة 242
99 باب المزارعة 244
100 باب المساقاة 245
101 باب احياء الموات 245
102 باب الغصب 248
103 باب اللقطة 250
104 باب السبق 251
105 باب الدين 252
106 باب الرهن 253
107 باب الضمان 254
108 باب الحوالة 255
109 باب الوكالة 256
110 باب الكفالة 257
111 باب الوديعة 258
112 باب الاقرار 259
113 باب الصلح 259
114 كتاب النكاح 260
115 باب التعداد والجدوى 260
116 باب المحارم 263
117 باب الولاية 271
118 باب العقد 272
119 باب الصداق 274
120 باب الخلوة 277
121 باب الحقوق 279
122 باب النشوز 281
123 باب الفسخ 282
124 باب الطلاق 284
125 باب الخلع والمباراة 286
126 باب الظهار 287
127 باب الايلاء 288
128 باب اللعان 289
129 باب العدد 290
130 باب الولد 294
131 باب القرابة 300
132 كتاب المعيشة 300
133 باب الطعام 301
134 باب الأكل 309
135 باب الشرب 312
136 باب الضيافة 313
137 باب اللباس 314
138 باب الطيب 315
139 باب المسكن 316
140 باب المنام 317
141 باب التحية 319
142 باب الكلام 321
143 باب الإخاء 326
144 باب المعاشرة 328
145 باب العزلة 333
146 باب الورد 335
147 باب السفر 338
148 كتاب الجنايز 343
149 باب المرض 343
150 باب الوصية 345
151 باب العيادة 346
152 باب الاحتضار 349
153 باب التغسيل 350
154 باب التكفين 351
155 باب التشييع والتربيع 353
156 باب الصلاة على الميت 354
157 باب الدفن 355
158 باب التعزية 357
159 باب الهدية للميت 357
160 باب زيارة القبر 358
161 كتاب الفرايض 358
162 باب الأسباب والطبقات 358
163 باب الموانع 360