أو الاستراحة من العذاب والتنكيل ولم يقصد وجه الرب الجليل وأبطله المصنف في المعتصم والمفاتيح وغيرهما بالنصوص وأن بعض الناس ليس درجتهم أعلى منه وليس في وسعهم القصود الآخر كما ينبه عليه حسنة هارون بن حارجة عن أبي عبد الله (ع) قال العباد ثلاثة قوم عبدوا الله عز وجل خوفا فتلك عبادة العبيد وقوم عبدوا الله طلب الثواب فتلك عبادة الأجراء وقوم عبدوا الله عز وجل حبا له فتلك عبادة الأحرار وهي أفضل العبادة وزاد بعضهم القول بصحة العبادة لطلب الأغراض الدنيوية المباحة أيضا من جنابه سبحانه كما ينبه عليه ما ورد أن صلاة الليل تزيد في الرزق والصدقة ترد البلاء وصلة الرحم تنسئ الأجل والأجود الاستدلال بما ورد من صلوات الحوائج كالاستطعام والحبل والعافية ونحوها وورد في حقيقته ما رواه أبو حامد مرسلا عن النبي صلى الله عليه وآله أنه سئل ما الاخلاص فقال هو أن تقول ربي الله ثم تستقيم كما أمرت قال أي لا تعبد هواك ونفسك ولا تعبد إلا ربك وتستقيم في عبادتك كما أمرت وهذا إشارة إلى قطع كل ما سوى الله عن مجرى النظر وهو الاخلاص حقا وعن الحواريين أنهم قالوا لعيسى (ع) ما الخالص من الأعمال فقال إن تعمل لله لا تحب أن تحمد عليه وفي الكافي عن أبي عبد الله (ع) العمل الخالص الذي لا تريد أن يمدحك عليه أحد إلا الله وفيهما تعريض للرياء لأنه أقوى الأسباب المشوشة للاخلاص وهو عزيز المثال جدا فإنه أشد الأشياء على النفس إذ ليس لها فيه نصيب والطريق إليه كسر حظوظ النفس وقطع الطمع عن الدنيا والتجرد للآخرة بحيث يغلب ذلك على القلب وضده المطلق الشوب مطلقا ومن وجوهه الرياء وفي حكمه السمعة كما تقدم وهو في الأصل من الرؤية كالسمعة من السماع مصدر كالقتال يقال رائيته مراياة أي أريته نفسي على خلاف ما أنا عليه وفي الاصطلاح طلب المنزلة عند غيره تعالى وهم الراؤن بالعبادة وهي المرائي به فهنا قيود ثلاثة أحدها صلوحها للرؤية فيختص الريا أو المرائي به بأحد جزئيها وهو عمل الظاهر أما الجزء الآخر وهو النية فهو من عمل الباطن لا يتطرق إليه الريا والثاني أن يكون المقصود منفردا أو مشوبا خصوصا المنزلة عند الرائين فلو قصد لازما آخر لم يكن مرائيا ولا فرق بين أن يكون راجحا نحو ضم قصد الحمية إلى قصد القربة في الصوم والاعلام بالصلاة في التكبير أو اجهاره وغيره نحو قصد التبرد في الوضوء والتفرج عن الهم والتوحش عن الأهل والتجارة في سفر الحج والخلاص عن المؤنة وسوء الخلق في العتق فإن ذلك كله وإن شارك الرياء من وجه لكنه غيره سواء كان على وجه المشاركة أو المرافقة أو المعاونة وكله مما يفوت به الاخلاص المطلق وفي فوات الصحة تفصيل ومحصول ما ذكره المصنف في مطولاته أنه إن كانت الضميمة راجحة صحت مطلقا وإلا فإن كانت مشاركة أو مرافقة بطلت وإن كانت معاونة صحت مع احتمال البطلان أيضا والمشهور بطلان عبادة المرائي ووجوب الإعادة عليه كما أشرنا إليه فيما سبق لأنها ليست عبادة بالحقيقة وما يحكى عن السيد من الحكم بالصحة والاجزاء بمعنى سقوط الطلب عنه وإن لم يستحق بها ثوابا فغير ظاهر الوجه والرياء يكون بأمور كثيرة وأكثرها شيوعا خمسة هي مجامع ما يتزين به العبد للناس وهي البدن والهيئة والزي وهو اللباس والقول والعمل وقد يترائى بغيرها من الأمور الخارجة كالاتباع والأسباب فبالبدن كاظهار النحول والذبول ليدل على قلة الأكل والنوم وكثرة الصيام والقيام والسهر للمطالعة وتحقيق العلوم والرياضة فيدل على شدة اجتهاده في أمر الدين وبالهيئة كابقاء أثر السجود على الجبهة ليكون من الذين سيماهم في وجوههم وتشعث الشعر اشعارا باستغراق همه بأمر الدين و عدم التفرغ لتسريحه وعن عيسى (ع) إذا صام أحدكم فليدهن رأسه ويرجل شعره ويكحل عينيه وذلك لما يخاف عليه من نزع الشيطان بالرياء وبالزي كلبس الصوف والشملة واختيار ما اعتاده الأشراف أو العباد أو العلماء منه ليرى أنه منهم فيقع له محل في القلوب وبالقول كالوعظ والتذكير والنطق بالحكمة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المحاضر ليقال إنه راسخ متصلب في أمور الدين لا يخاف لومة لائم وبالعمل كتطويل الصلاة و اطراق الرأس وترك الالتفات وتسوية القدمين وبالاتباع كالتعرض لأسباب كثرة التلاميذ أو المريدين أو الزايرين ليقال إنه أفضل ممن عداه والناس يستفيدون منه ويتبركون بأنفاسه ودعائه وزيارته و بالأسباب كالاكثار من جمع الكتب العلم وكتب الأوراد والأدعية واعمال السنة وتصحيحها وحفظها وتحصيل الإجازات والأسانيد إلى المشايخ ابهاما بأنه شديد الاهتمام بالعلوم والآداب الدينية وأوسع إحاطة وأجل شأنا من غيره والثالث أن يكون ذلك بعمل العبادة فما طلب بغير العبادة من الأفعال المباحة كصرف الهمة إلى كثرة المال ليخرج بذلك عن مهانة الفقر إلى حشمة اليسار وحفظ الأشعار المباحة والتواريخ والأدبيات ليتميز عن العامة ويحصل له القبول والمنزلة في القلوب بذلك فخارج عن مجرى الرياء ولا يحرم طلب المنزلة على هذا الوجه إذا لم يؤد إلى رذيلة محرمة من رذائل المال أو الجاه كالتكبر كما سبق في الكلام في الجاه في باب حب الخمولة وكذا لا يحرم التزين بتنظيف الثوب عند الخروج إلى الناس وتسوية العمامة ونحو ذلك لاستمالة قلوب الإخوان وتطييب نفوسهم والتحامي عن ملالتهم وملامتهم بالتقشف سيما إذا كان مرموقا إليه متبوعا في الدين فإن العناية بميل القلوب إليه وتثبيتها عن استثقاله والتنفر عنه شديدة وليس ذلك رياء بالعبادة بل بالدنيا كما قرره أبو حامد واستدل عليه بما روي عن النبي صلى الله عليه وآله إن الله يحب من العبد أن يتزين لإخوانه إذا خرج إليهم وأنت خبير بأن مقتضاها استحباب التزين فالوجه تسليم كونه رياء لاندراجه في الرسم واستثناؤه من عموم التحريم بالنص وعن أمير المؤمنين (ع) ليتزين أحدكم لأخيه المسلم كما يتزين للغريب الذي يحب أن يراه في أحسن الهيئة والعبارة لا تأبى الوجهين وآفات الرياء كثيرة والمذكور منها خمسة أحدها التلبيس بإرائة ما يخيل إلى الرائين أنه من أهل العبادة والدين وليس كذلك فهو بالأمر الدنيوي حرام كما لو قضى دين جماعة وأوهم إلى الناس أنه متبرع عليهم ليعتقدوه سخيا فبالأمر الديني أولى بالتحريم وثانيها الاستهزاء عليه تعالى وفي بعض الآثار إذا زنى العبد قال الله (تع) انظروا إليه كيف يستهزئ بي قيل ومثاله الماثل بين يدي الملك طول النهار كما جرت عادة الخدمة وإنما مثوله لملاحظة جارية
(٧٦)