من جواري الملك أو غلام من غلمانه فإنه من أفحش الاستهزاء بالملك وإنما عدي في العبارة بحرف الاستعلاء دون الالصاق كما هو الأصل لتضمنه معنى الجرأة أو الايثار وذلك بايثار رضا غيره (تع) على رضاه فطلب المنزلة عندهم دونه وايثار تعظيم نفسه في القلوب على تعظيمه (تع) في قلبه وايثار الاحتراز عن مقت غيره على الاحتراز عن مقته عز وجل حيث تعرض له بريائه فعن أبي عبد الله (ع) من أظهر للناس ما يحب الله وبارز الله بما كرهه لقي الله وهو ماقت له وثالثها رد العمل فإنه (تع) يرد المشوب ولا يقبل إلا الخالص كما في حديث الحفظة وعن أبي عبد الله (ع) قال الله أنا خير شريك من أشرك معي غيري في عمل عمله لم أقبله إلا ما كان لي خالصا ورابعها اللوم من الملائكة في القيامة فعن النبي صلى الله عليه وآله المرائي ينادي به على رؤس العباد يا فاجر يا كافر يا غادر يا خاسر أما استحيت إذا اشتريت بطاعة الله عرض الدنيا راقبت قلوب العباد واستهزأت بطاعة الله وتحببت إلى العباد بالتبغض إلى الله وتزينت لهم بالشين عند الله وتقربت إليهم بالبعد عن الله وتحمدت إليهم بالتذمم عند الله وطلبت رضاهم بالتعرض لسخط الله أما كان أحد أهون عليك من الله وخامسها الحرمان عن الأجر المستحق بالعمل لو كان خالصا فإن من عمل للناس كان ثوابه على الناس كما ورد عن أبي عبد الله (ع) وينقسم الرياء على وجوه متعددة بحسب اعتباره في نفسه وفي موضوعه وهو العمل المرائي به وفي غايته المطلوبة به وهي ما يرائى له وله بحسب كل منها درجات متفاوتة في التفاحش والأفحش باعتباره في نفسه أن لا يريد الثواب أصلا كالذي يصلي بين أظهر الناس ولو أنفرد لكأن لا يصلي وربما يصلي مع الناس من غير طهارة فهذا جرد قصده إلى الرياء وهو في غاية المقت عند الله ثم ما فيه إرادتان الثواب والرياء جميعا ولكن الرياء غالب والثواب معاون بحيث لو كان في الخلوة لا يفعله و لا يحمله ذلك القصد على العمل ولو لم يكن الثواب لكان قصد الرياء يحمله عليه وهذا لا يصلي من غير طهارة وهو دون الأول لكنه قريب منه في المقت ثم ما استويا فيه متشاركين بحيث لو كان كل منهما منفردا عن الآخر لم يبعثه على العمل فلما اجتمعا انبعث الرغبة وهذا أيضا لا يقدم عليه في الخلوة ثم ما يرجح فيه قصد الثواب ويعاونه قصد الرياء بحيث يكون اطلاع الناس مقويا لنشاطه ولو لم يكن ذلك لكأن لا يترك العمل ولو كان قصد الرياء وحده لما أقدم وعن أمير المؤمنين (ع) ثلاث علامات للمرائي ينشط إذا رأى الناس ويكسل إذا كان وحده ويحب أن يحمد في كل أموره وهذا أدنى الرياء بحسب درجاته في نفسه وأما درجاته باعتبار ما يرائي به فأفحشها الرياء بأصل الايمان بالتظاهر به تجملا إلى المسلمين مع التكذيب به باطنا وهو النفاق المشحون بذكره الكتاب كقوله عز وجل إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد أنك لرسول الله والله يعلم أنك لرسوله والله يشهد أن المنافقين لكاذبون وفيه الخلود في النار فإنه كفر بل المنافق أسوء حالا وأعظم فتنة على الاسلام من الكفار المجاهدين ومن ثمة كان عذابه أشد كما قال عز وجل أن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ثم الرياء بأصل الفرايض يأتي بها في المحاضر استرضاء للناس واحترازا عن مقتهم ويتركها في الخلوات كسلا مع التصديق القلبي بالعقائد الدينية وهذا محكوم باسلامه في الجملة لكونه معتقدا بأصل الايمان وإنما يرائي فيما سواه من الأعمال ولو كلف بعبادة غير الله لامتنع عنه فهو دون الأول وفيه المقت عند الله كما سبق ثم الرياء بأصل السنن والنوافل التي لا معصية في تركها عند الله ولا عند الناس كالاختلاف إلى المساجد والآتيان بالنوافل ونحوهما فيكسل عنها في الخلوة لفتور رغبته في ثوابها أو ايثار اللذة الراحة ويأتي بها في مشهد الناس طلبا لرضا هم عنه المقتضي لانطلاق الألسن فيه بالمحمدة والثناء وهو أيضا عظيم ممقوت عند الله لكنه دون ما قبله ووعيده دون وعيده واللائق فيه نصفه لأن ذلك أنما استحق ما استحقه من المقت الكبير بسببين قد اقتصر هذا على أحدهما لايثار رضا غيره (تع) على رضاه دون ايثار الاحتراز عن مقت غيره (تع) على الاحتراز عن مقته فجنايته على النصف من جنايته ولا يظلم ربك أحدا ثم الرياء بالأوصاف المرعية في الأعمال لا بأصولها وهي أدون المراتب وفيها أيضا درجات متفاوتة فالأفحش المرآة بالوصف الواجب كتعديل الأركان واتمام الطمأنينات في الصلاة في حضور الناس وتخفيفها في الخلوة ثم بالوصف المكمل لها مما تنقص الصلاة بدونه وإن صحت كتطويلها باختيار السور الطوال في القراءة والاكثار من أذكار الركوع والسجود والآتيان بالأفعال المندوبة وتحسين الهيئة بالتخشع وترك الالتفات والوصفان داخلان في نفس العبادة ثم بالوصف الزايد الخارج عنها كالبكور في المسجد قبل القوم وقصد الصف الأول من الجماعة واختيار يمين الإمام ونحو ذلك وأما درجاته باعتبار ما يرائى له فأفحشها قصد المعصية باظهار التقوى والورع والامتناع عن الشبهات لتحسن فيه الظنون فيتمكن بذلك من مقاصده محظورة لا تتسر له إلا بها كتقلد الوقف وتولي مال الغائب والمحجور عليه للمداهنة وهي الغش والأكل بالباطل وهؤلاء من أبغض المرائين إلى الله إذ جعلوا طاعته سلما إلى معصيته ثم قصد المباح كنكاح الشريفة ومصاهرة العابد فيظهر الزهد والخشوع لترغب الشريفة إلى ازدواجه أو العابد إلى تزويجه ابنته فيكون قد طلب بطاعة الله (تع) حظ النفس ومتاع الدنيا وفي الحديث القدسي ويل للذين يختلون الدنيا بالدين لكنه دون الأول لأن المطلوب مباح في نفسه ثم قصد التميز عن العامة لئلا ينظر إليه بعين النقص والحقارة كما ينظر إلى عوام الناس فيتظاهر بالصلاح ليعد من الخواص فيكرم اكرامهم ويتوقر في المشي في الأسواق والشوارع العامة وإن كان مستعجلا في حاجته لئلا يظن فيه الطيش والخفة فإن انقطعت المارة عن الطريق وصادف خلوة جرى على عجلته وإذا حس بأحد عاد إلى تؤدته ووقاره فهذه أقسام الرياء بدرجاتها وجميعها جالبة لمقت الله وغضبه وهو من أشد المهلكات ومن شدته أن فيه شوائب هي أخفى من دبيب النملة السوداء على الصخرة الملساء في الليلة الظلماء حتى أنه قد يخفى على المرائي نفسه كما أن من الأمراض الطبيعية ما قد يخفى على المريض نفسه فينبغي التنبه لذلك والاستدلال بالعلامات الدقيقة على حقيقة
(٧٧)