التحفة السنية (مخطوط) - السيد عبد الله الجزائري - الصفحة ٦٤
يعلم أنه يموت فيضيع أو يأخذ أعداؤه وهو مرض مزمن لا يرجى برؤه جبليا أو عرضيا وأكثر ما يعرض للطاعنين في السن وكذا حب الشهوات التي لا وصول إليها إلا بالمال فيمسكه حذرا عن فواتها بفواته وهذا يعالج بالقناعة وحبس النفس عن الشهوات وكذا طول الأمل وخوف حدوث الفقر بالحوادث المحتملة وقلة الوثوق بمجئ الرزق في المستقبل فيحتاط بإمساك ما في يده في الحال وهذا لو فرض علمه بأنه يموت غدا مثلا ربما كان لا يبخل وقد يقوم هم الولد مقام طول الأمل فيقدر بقائه كبقاء نفسه ويبخل لأجله فورد في الحديث النبوي الولد مبخلة مجبنة محزنة بصبغة الآلة أو اسم المكان تجوزا في الجميع وعلاج طول الأمل ما يأتي في باب قصره وعلاج قلة الوثوق في باب التوكل ويعالج هم الولد بالالتفات إلى أن الذي خلقه خلق معه رزقه وكم من ولد لم يرث من أبيه مالا وحاله أحسن ممن ورث وأنه يجمع المال لولده يريد أن يترك ولده بخير وينقلب هو إلى شر وأن ولده إن كان تقيا سعيدا فيكفيه الله وإن كان شقيا فيستعين بماله على المعصية فيكونان قد شقيا جميعا وعن أمير المؤمنين (ع) إن لك مما في يدك من المال ما مهدت لنفسك فأثر نفسك على صلاح ولدك فإنما أنت جامع لأحد رجلين أما رجل عمل فيه بطاعة الله فسعد بما شقيت وأما رجل عمل بمعصية الله فشقي بما سعيت وليس من هذين أحد بأهل أن تؤثره على نفسك ولا تبرد له على ظهرك فارج لمن مضى رحمة الله وثق لمن بقي برزق الله وأما من طرف الافراط فهو العدوان والخروج عن القصد في النفقة اللازمة له ولعياله بحيث لا يفضل من مكسبه ما يصرفه في المحاسن التي بها تكتسب فضيلة السخاء وهذا يرفع بالتوسط في النفقات والتنزل عن المؤنة المعتادة إلى الحد اللائق وهو القصد لتبقي له بقية يمكنه بها الاتيان بهذه المزية المحمودة وربما تكون نفقته متوسطة غير بالغة حد العدوان بل مقصورة على الحد اللائق بحاله ومروته لكن مكسبه يكون قاصرا عن الزيادة فيفوته السخاء لا من حيث زيادة النفقة بل من حيث عدم زيادة الكسب عنها ويرفع هذا بمعرفة عز القناعة والتنزل عن حد القصد إليها فيجتزئ بأي طعام كان ويقلل من الإدام ما أمكن ويوطن عياله على ذلك من غير إجحاف بهم ابقاء لما يندرج به في سلك الأسخياء الذين حالهم ما عرفت وأما ايجاد المقتضي فبأمور علمية وعملية أحدها وهو مما ينفع في دفع المانع أيضا التأمل في ذم البخيل ومدح السخي عند أولي الألباب وأصحاب العقول الرزينة وما ورد فيهما في الكتاب والسنة مما ذكر وغيره قال الله (تع) لا تحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خير لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة وفي الحديث السخاء شجرة تنبت في الجنة فلا يلج الجنة إلا سخي والبخل شجرة تنبت في النار فلا يدخل النار إلا بخيل والتأمل في أحوال الأنبياء والأولياء من حيث اتصافهم بالسخاء وتنزههم عن البخل مع قلة ذات يدهم وضيق معاشهم أو من حيث التوسط في النفقة أو القناعة فيها ايثارا للسخاء أو اسباغا فيه واختيار التشبه بهم لا بالمتنعمين البخلاء من الكفار والحمقى فإنهم أهل التنعم الدنيوي غالبا كما هو المشاهد وثانيها التسخي بأن يكره نفسه على البذل ومفارقة المال تكلفا بل لو رماه في الماء كان أولى به من وجه من إمساكه مع الحب له ومن لطايف الحيل فيه خداع النفس بالصيت وحسن الاسم والاشتهار بالسخاء وتوقع المكافاة بالمدح وغيره فيبذل على قصد الرياء حتى تسامح نفسه بالبذل طمعا في حشمة الجود فيكون قد أزال عن نفسه خبث البخل واكتسب خبث الرياء ثم إزالة الرياء بعد الاعتياد بالجود بما يأتي في باب الاخلاص ويكون طلب الاسم كالتسلية للنفس عند فطامها عن المال كما قد يسلى الصبي عند الفطام عن الثدي باللعب بالعصافير لا ليخلي واللعب ولكن لينتقل عن الثدي إليه ثم ينقل عنه إلى غيره فكذلك هذه الصفات الخبيثة ينبغي أن يسلط بعضها على بعض ويدفع بعضها ببعض ومثاله ما يقال إن الميت يستحيل جميع أجزائه دودا ثم يأكل بعض الديدان بعضا حتى يقل عددها وتكبر الباقيات ثم يأكل بعضها البعض حتى يرجع إلى اثنين قويين عظيمين ثم لا يزالان يتقابلان إلى أن يغلب أحدهما الآخر فيأكله ويسمن به ثم لا يزال يبقى وحده جائعا إلى أن يموت وثالثها كثرة ذكر الموت فإنه مما يقصر الأمل ويوحش عن الدنيا والاعتبار بالسالفين وطول تعبهم في جمع المال وضياعه بعدهم وعدم انتفاع أولادهم به خصوصا إذا كانوا من أقرانه وأوليائه فإنه أنجع ومن الحيل في تذكر الموت زيارة القبور سيما من الأحباب وهذه كما تميت البخل وتحرك إلى السخاء كذلك تميت الحرص وتحرك إلى عز القناعة والأصل فيه الصبر لتتوقف النفس من شهواتها وقصر الأمل لأن في تطويله تكثيرا للاحتمالات المفقرة الداعية إلى البخل وكلما قصر قلت والعلم بآفات المال الدينية والدنيوية وهي زيادة على ما ذكر في باب الفقر الافضاء إلى المهلكات كالكبر و الكذب والعداوة وحب الدنيا واقتحام الشبهة في المأخذ والمصرف والحاجة إلى الناس فإن الناس أحوجهم إليه والشغل عن الطاعة قبل حصوله وبعده بالكسب والحفظ والاستمناء ودفع الحساد واسترضاء الخصوم مع احتمال المشاق البدنية والنفسانية ومقاسات الأخطار والأهوال في القفار والبحار وغير ذلك مما لا يحصى والقانع في سلامة من جميع ذلك واعلم أن المصنف (ره) في باب ذمائم القلب اعتبر السخا ضدا للبخل والسرف جميعا إشارة إلى أنه الاقتصاد بينهما وقد عد في أحاديث الجنود ضدا للبخل كما قدمنا وهو المناسب للرسم فيندرج فيه كثير من المفهومات المتشاركة في مضادة البخل أعني إمساك ما يجب بذله وإن كانت متفارقة من وجوه أخر مقتضية لأن يوضع لكل منها اسم مخصوص ويحكم عليه بما يناسبه من مدح أو ذم وربما قيل في بعضها بالترادف وهي الجود والكرم والايثار والتبذير والاسراف والتسخي و المروة وبيان ذلك من الفوائد المناسبة للباب فالسخاوة تفارق الجود بأنه بذل قبل السئول بخلافها فإنها بعده فيتفارقان كليا أو قد تكون بعده فهو أخص مطلقا وقيل هو الصفة الذاتية وهي المكتسبة
(٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الطهارة 16
2 باب جرايم الجوارح 17
3 باب التوبة 24
4 باب التدارك 27
5 باب الحد والتعزير 28
6 باب الجناية 35
7 باب ذمايم القلب 40
8 باب الصبر 42
9 باب الحلم 45
10 باب النصيحة 47
11 باب حب الخمولة 49
12 باب التواضع 52
13 باب الفقر 57
14 باب الزهد 60
15 باب السخا 63
16 باب الرضا 65
17 باب الشكر 66
18 باب الرجاء والخوف 68
19 باب قصر الامل 70
20 باب النية 72
21 باب الاخلاص 75
22 باب الصدق 79
23 باب التوحيد والتوكل 80
24 باب تطهير السر عما سوى الله 83
25 باب الماء 88
26 باب الأخباث وتطهيرها 90
27 باب آداب التخلي 95
28 باب الاتفاث وازالتها 96
29 باب آداب التنظيف 97
30 باب الاحداث ورفعها 100
31 باب الوضوء 102
32 باب الغسل 104
33 باب التيمم 110
34 كتاب الصلاة 111
35 باب الشرايط 112
36 باب الأوقات 118
37 باب المكان 121
38 باب اللباس 125
39 باب القبلة 127
40 باب النداء 129
41 باب الهيئة 130
42 باب الآداب والسنن 132
43 باب المكروهات 135
44 باب وظائف يوم الجمعة والخطبتين 136
45 باب آداب العيدين وسننهما 137
46 باب آداب الآيات وسننها 138
47 باب الجماعة 139
48 باب الخلل 141
49 باب التعقيب 145
50 باب الدعاء 146
51 باب فضل قراءة القرآن 148
52 كتاب الزكاة 150
53 باب التعداد والشرايط 150
54 باب المقادير والنصب 153
55 باب المصرف 154
56 باب الأداء 155
57 باب الخمس 156
58 باب المعروف 158
59 باب آداب المعطى 159
60 باب آداب الآخذ 162
61 كتاب الصيام 163
62 باب الشرايط 165
63 باب الهيئة 167
64 باب الآداب 168
65 باب فوايد الجوع 173
66 باب الاعتكاف 174
67 كتاب الحج 175
68 باب الشرايط 177
69 باب الهيئة 178
70 باب المحرمات 181
71 باب الخلل 190
72 باب حرمة الحرم 195
73 باب الزيارات 196
74 كتاب الحسبة 198
75 باب الجهاد 198
76 باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 201
77 باب إقامة الحدود 203
78 باب الفتيا 205
79 باب القضا 206
80 باب الشهادة 209
81 باب اخذ اللقيط 212
82 باب الحجر 212
83 كتاب البر 214
84 باب العطية 214
85 باب العتق 217
86 باب التدبير 219
87 باب الكتابة 220
88 باب النذر والعهد 220
89 باب اليمين 222
90 كتاب الكسب 224
91 باب الآداب 227
92 باب البيع 229
93 باب الربا 234
94 باب الشفعة 236
95 باب الشركة 237
96 باب القراض 238
97 باب الجعالة 240
98 باب الإجارة 242
99 باب المزارعة 244
100 باب المساقاة 245
101 باب احياء الموات 245
102 باب الغصب 248
103 باب اللقطة 250
104 باب السبق 251
105 باب الدين 252
106 باب الرهن 253
107 باب الضمان 254
108 باب الحوالة 255
109 باب الوكالة 256
110 باب الكفالة 257
111 باب الوديعة 258
112 باب الاقرار 259
113 باب الصلح 259
114 كتاب النكاح 260
115 باب التعداد والجدوى 260
116 باب المحارم 263
117 باب الولاية 271
118 باب العقد 272
119 باب الصداق 274
120 باب الخلوة 277
121 باب الحقوق 279
122 باب النشوز 281
123 باب الفسخ 282
124 باب الطلاق 284
125 باب الخلع والمباراة 286
126 باب الظهار 287
127 باب الايلاء 288
128 باب اللعان 289
129 باب العدد 290
130 باب الولد 294
131 باب القرابة 300
132 كتاب المعيشة 300
133 باب الطعام 301
134 باب الأكل 309
135 باب الشرب 312
136 باب الضيافة 313
137 باب اللباس 314
138 باب الطيب 315
139 باب المسكن 316
140 باب المنام 317
141 باب التحية 319
142 باب الكلام 321
143 باب الإخاء 326
144 باب المعاشرة 328
145 باب العزلة 333
146 باب الورد 335
147 باب السفر 338
148 كتاب الجنايز 343
149 باب المرض 343
150 باب الوصية 345
151 باب العيادة 346
152 باب الاحتضار 349
153 باب التغسيل 350
154 باب التكفين 351
155 باب التشييع والتربيع 353
156 باب الصلاة على الميت 354
157 باب الدفن 355
158 باب التعزية 357
159 باب الهدية للميت 357
160 باب زيارة القبر 358
161 كتاب الفرايض 358
162 باب الأسباب والطبقات 358
163 باب الموانع 360