والحقد والحسد فلا يتفاوت فيه الخلا والملأ إلا إذا انضم الرياء أيضا فيقوي في الملأ ويضعف في الخلا فصارت أسباب التكبر أي الآثار المذكورة أربعة الكبر المسبب عن العجب والحقد والحسد والريا وسبب الحقيقي منها هو الأول لا غير وعلاجه قلع العجب عن النفس فإن الأمراض لا تعالج إلا بقلع أسبابها كما مر مرارا وذلك متوقف على معرفة السبب والإحاطة بحقيقته ليكون المعالج على بصيرة من أمره فالعجب هو استعظام النفس وذلك باستعظام خصالها الكمالية الخاصة التي هي من النعم الإلهية مع الركون إليها والفرح بها من حيث إنها خصال مضافة إليه نفسه ونسيان الإضافة إليه (تع) وإلا من الزوال والتكدر لا باعتقاد أنها لا تزول ولا تتكدر فإن ذلك يستحيل من العاقل بل بالغفلة عنهما ولو عطف الزوال على الإضافة بحذف المصدر والجار ليندرج تحت المضاف لكان أخصر وأجود فمن رأى النعمة منه تعالى وفرح بها من حيث إنها كرامة منه عز وجل له وخاف عليها من الزوال والتكدر لا يكون معجبا وإن استعظم الخصلة بل اللائق استعظام النعم فإنه أدعى إلى الشكر وهو غير الادلال فهو عجب بالعمل مع رؤية حق النفس عنده (تع) وأنه منه بمكان يقال أدل عليه إذا وثق بمحبته فأفرط عليه وذلك كمن أعطى غيره شيئا ويستعظمه ويمن عليه فيكون معجبا فإن استخدمه أو اقترح عليه الاقتراحات واستبعد تخلفه عن قضاء حقوقه كان مدلا عليه فهو فوق العجب وأفحش منه فورد عن أبي عبد الله (ع) أنه أتى عالم عابدا فقال له كيف صلاتك فقال مثلي يسأل عن صلاته وأنا أعبد الله منذ كذا وكذا قال كيف بكاؤك قال أبكي حتى تجري دموعي فقال العالم إن ضحكك و أنت خائف أفضل من بكائك وأنت مدل إن المدل لا يصعد من عمله شئ وبمضمونه غيره ويعرف المدل بالتعجب عن رد دعائه لأنه يتوقع إجابته وعن استقامة حال مؤذيه لأنه يتوقع اختلالها بسبب ما يراه في نفسه من الحق عليه (تع) ولا يتعجب من رد دعاء الفساق ولا استقامة أحوال أعدائهم لأنه لا يرى لهم من الحق ما يرى لنفسه والعجب غير الكبر أيضا لكونه أثره المسبب عنه كما تقدم واستدعائه المتكبر عليه فإنه لا يتصور أن يكون متكبرا إلا أن يكون معه غيره وهو يرى نفسه فوق ذلك الغير في صفات الكمال فعند ذلك يكون متكبرا بخلاف العجب فإنه لا يستدعي غير المعجب بل لو لم يخلق الانسان إلا وحده لتصور أن يكون معجبا هذا ما قرره الإمام أبو حامد في الاحياء وتبعه عليه المصنف وغيره وفيه أن ما هو بصدد اثباته من تغاير الكبر والعجب مسلم فإن الكبر من مقولة الإضافة والعجب من مقولة الكيف أو الفعل لكن ما ذكره في البيان من تحقق العجب بالمعجب نفسه من دون توقف على شئ آخر ممنوع لا ما ذكر في رسمه من استعظام النفس لا يكاد يتحقق إلا بالنسبة إلى الغير فإن الغني المعجب بماله إنما يستعظم نفسه بالقياس إلى الفقير الذي لا مال له ومن ثم نراه إذا جالس من هو أغنى منه استصغر نفسه واستحقر نعمته وكذا المستعظم لعلمه أو عمله أو غيرهما مما يعجب به يستصغر نفسه في مشهد من هو أكمل منه في تلك الخصلة المستعظمة وإنما يستعظمها بالنسبة إلى العاري عنها أو الناقص فيه ولأجل ذلك أدرجنا في الرسم قيد الاختصاص في الخصال فتأمل وآفاته الهلاك فإنه من الثلاث المهلكات كما تقدم في الحديث النبوي وهي الكلمة الجامعة والبواقي تفصيل لها وبيان لأسبابه وهي نسيان الذنوب لقلة اكتراثه بها واستحقار ما ربما يتذكره منها أحيانا وقد علمت ما فيه من التشديد ويدعو ذلك إلى ترك التدارك بالتوبة وغيرهما مما ذكر والمعجب بالعبادات ليحجبه بها يعمي عن عيوبها فيترك تفقد آفات العمل من الشوب والتضييع والاستخفاف والاستثقال والرياء والسمعة والمن والأذى بعد الصدقة وغيرها ليحترز عنها كل ذلك على زعم أنه مغفور اعتمادا منه على عظيم خصلته بزعمه وينجر الاغترار به إلى الأمن من مكره تعالى وهو من الكباير كما تقدم والمعجب بعلمه يلزمه الاستنكاف من التعلم والاتعاظ والحرمان عن فوائدهما اكتفاء بما عنده ومن آفات العجب أيضا تزكية النفس والثناء عليها وقد نهى الله عن ذلك بقوله ولا تزكوا أنفسكم وسببه أحد أمرين أما خبث الطبع وضيق الحوصلة عن النعمة وهو من الأدواء الجبلية الممتنعة البرء وإنما يعلل بالمجاهدة والرياضة ليفل حده وتقل غائلته كما سبق نظيره وأما الجهل بالحقايق ويندرج فيه اعتقاد كمال النفس فإنه جهل مركب وإنما أفرد اهتماما فيراد بالأول البسيط وهذا مما يرجى برؤه وعلاجه بالعلم والعمل والأول قلع السبب ويتحقق ذلك بمعرفة أحوال النفس المعتقد كمالها ومعرفة حقيقة الكمال ومعرفة حقايق الخصال التي تستعظم وتظن كمالا وتنحصر مجامعها بالاستقراء في العلم والعمل والشرف والجمال والمال والقوة والعشيرة وتتحصل هذه المعارف بوجهين أحدهما بالنظر في حقارة النفس ومهانتها اللازمة الدائمة فإنه قد أتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ولا شئ أخس من العدم المطلق والليس الصرف ثم وجد بوجود ناقص ضعيف معار في مدة قليلة وأحوال خسيسة فأولها النطفة المذرة وآخرها الجيفة القذرة وما بينهما حمالة العذرة كما ورد عن أمير المؤمنين (ع) وهذه عوارض النفس بحسب البدن الملابس لها وقد وكل به الأقذار في جميع أجزائه الرجيع في أمعائه والبول في مثانته والمخاط في أنفه والبصاق في فيه والوسخ في أذنه والدم في عروقه والصديد تحت بشرته والصنان تحت إبطه يغسل الغايط كل يوم مرة أو مرتين بيده ويتردد إلى الخلاء ليخرج من بطنه ما لو رآه بعينه لاستقذره فضلا أن يمسه أو يشمه ولو ترك نفسه يوما لم يتعهده بالتنظيف والغسل لثارت منه الأنتان والأقذار والنظر في أحوالها الهاجمة الواردة فجأة أو بغير اختيار من هجم عليه هجوما إذا انتهى إليه بغتة أو دخل عليه بغير إذن كالمحن والشدايد التي لا تطيق دفع أهونها من السقم والألم والهرم والفقر وموت الأحباب وتسلط الأعداء وتعسر الأمور وغير ذلك مما يدل على ضعف الانسان وعجزه وأنه مربوب ذليل
(٥٤)