فهو الذي يبعث النفس على نوافل الطاعة وربما يبعثها على الفرائض أيضا ويهون عليها احتمال المشقة فيها احتمال التاجر مشاق السفر رجاء للربح وضده القنوط وهو ضلال منهي عنه قال الله (تع) في قصة ضيف إبراهيم لا توجل إنا نبشرك بغلام عليم قال أبشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشرون قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون وقال عز وجل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا واليأس وهو ضده فيما تقدم كفر قال الله (تع) في قصة يعقوب (ع) يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون وهما في اللغة بمعنى واحد إلا أن اقتفى ألفاظ الآيات وقال في الحاشية قد تكرر القنوط واليأس في الأخبار مجتمعين مشعرا بتعددهما ولعل اليأس إنما يكون في الأمور الدنيوية والقنوط في الأمور الأخروية كما يستفاد من موارد الآيات الثلاث أو يخص أحدهما بالثواب والآخر بترك العقاب انتهى وفيه أن كون التبشير بالولد من الأمور الأخروية غير ظاهر بل الظاهر أنه نظير آية اليأس والفرق الثاني غير واضح أيضا والظاهر الترادف واجتماعهما في بعض الأخبار مثل رواية الأعمش المتقدمة في الكباير ليس بظاهر في الاشعار بالتعدد بل يحتمل الاشعار بالتغليظ كما لا يخفى والطريق إليه لمن غلب عليه اليأس فترك العبادة أو الخوف فأسرف فيها حتى أضر بنفسه وبأهله ذكر سوابق فضله (تع) على عباده من دون استحقاق ولا سئول ولا شفيع إذ مهد لهم مهاد الوجود وغذاهم بالكرم والجود وأعد لهم كل ما يحتاجون إليه من الأعضاء والآلات وما لا يحتاجون إليه بل يحصل به مزيد زينة وجمال كاستقواس الحاجبين وحمرة الشفتين وبلقة العينين وغير ذلك مما كان لا ينثلم بفقده غرض مقصود فالعناية الإلهية إذا لم تقصر عن عباده في أمثال هذه الدقايق فكيف يرضى بسياقتهم إلى الهلاك المؤبد وذكر ما وعد من جزيل ثوابه وسابغ غفرانه من دون استحقاق والتأمل فيما أنعم في الدنيا بما يمد في الدارين من دون سئول فإذا كانت هذه مواهبه في الدنيا فالغالب أن أمر الآخرة كذلك أيضا لأن مدبرهما واحد ولن نجد لسنة الله تبديلا وتتبع ما ورد في سعة الرحمة وسبقها الغضب و إنها لتفيض يوم القيامة حتى أن إبليس ليرجو أن تشمله وفي النهي عن القنوط مثل قوله (تع) يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله وفي الحث على حسن الظن بالله فعن الرضا (ع) أحسن الظن بالله فإن الله (تع) يقول إنا عند ظن عبدي بي إن خيرا فخيرا وإن شرا فشرا وعن أبي جعفر (ع) قال وجدنا في كتاب علي أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال وهو على منبره لا يحسن ظن عبد مؤمن بالله إلا كان الله عند ظن عبده المؤمن لأن الله كريم بيده الخيرات يستحي أن يكون عبده المؤمن قد أحسن به الظن ثم يخلف ظنه و رجاءه فأحسنوا بالله الظن وارغبوا إليه والخوف الغم لانتظار مكروه متوقع الصدور عن أحد أمور ثلاثة أما سوء الخاتمة عند الموت وهو أغلب مخاوف المتقين لأن الأمر فيه مخطر جدا بسبب أن الروح لشدة اعتلاقها بالبدن وأنسها به طول الحياة تكره مفارقته كما في الحديث دخلت فيه كرها وخرجت منه كرها فإذا رأت نفسها مغصوبة بالمفارقة فلقت واضطربت جدا فيقل حينئذ تفطنها لما يضرها مما ينفعها اشتغالا بما بها ويرحب مجال الشيطان ومن ثم ورد الأمر بتلقين المحتضر الشهادتين وقراءة القرآن ودعاء العديلة لافحام الشيطان وتذكيره بعقائد الدين لئلا تزل قدمه بعد ثبوتها فتنحل عقدة ايمانه بما يلقى إليه من الوساوس التي ربما يذهل إذ ذاك عن التخلص منها فهذا أحد الأسباب في سوء الخاتمة وأيضا ربما ينكشف له عند كشف الغطاء بطلان بعض ما تمرن عليه من الاعتقادات الدينية فيتلجلج ويسري الشك إلى بقية اعتقاداته فإن اتفق زهوق روحه في هذه الخطرة قبل أن ينيب ويعود إلى أصل الايمان فالعياذ بالله ونكاية هذا الخطر على أرباب الفطانة الناقصة أعظم والبله بمعزل عنه وهم أصحاب الايمان المجمل بكليات أمور الديانة وظواهر الشرع وهذا سر ما ورد في الحديث أن أكثر أهل الجنة البله وأن البلاهة أقرب إلى السلامة من فطانة تبراء وربما يتمكن في القلب حب الدنيا بحيث لا يبقى فيه مجال لمحبة الله إلا من حيث حديث نفس لا يؤثر شيئا فيكره الموت ولقاء الله ومن كره لقاء الله كره الله لقائه كما يأتي وربما يترسخ بعض المأثم والأحوال الدنيوية في القلب بحيث لا يتمثل له عند ذلك سواها ولا يبقى له التفات إلى شئ من أمور الآخرة ويحكى عن بقال حضره الموت فكان يلقن كلمتي الشهادة وهو يقول خمسة ستة أربعة وكان مشغول القلب بالحساب الذي طال إلفه له فهذه جملة من أسباب سوء الخاتمة نعوذ بالله منها أو سوء السابقة التي سبقت له في الأزل وهذا أدل على كمال المعرفة من الأول لأن الخاتمة تبع السابقة ومن فروعها بعد تحلل أسباب كثيرة فالخاتمة تظهر ما سبق به القضاء في أم الكتاب والخائف من مكروه الخاتمة بالإضافة إلى السابقة مثل رجلين وقع الملك فيهما بتوقيع يحتمل أن يكون فيه حز الرقبة ويحتمل أن يكون فيه ولاية العهد مثلا ولم يصل التوقيع إليهما إلا أنهما يعلمان أن الملك وقع فيهما ما شاء ويتعلق قلب أحدهما بحالة وصول التوقيع إليهما وظهور ما فيه من خير أو شر وتعلق قلب الآخر بحالة توقيع الملك وكيفيته و أنه إذ ذاك ما الذي خطر له من رحمة أو غضب وهذا التفات إلى السبب فهو أعلى من الالتفات إلى الفرع أو غوائل المعاصي في الدنيا من غير التفات إلى السابقة ولا الخاتمة وهذا أغلب مخاوف الخائفين وهو على وجوه كثيرة مثل خوف الموت قبل التوبة عنها أو استيلاء العادة في ارتكابها فيتعسر عليه ترك الشهوات المألوفة أو أنه يشعر من نفسه الذمايم فيخاف اطلاع الله على سريرته أو خوف البطر بكثرة نعم الله عليه أو خوف تبعات الناس عنده في الغيبة والخيانة والغش واضمار السوء ونحو ذلك ثم خوفه إما أن يكون من السؤال في القبر أو يوم الحساب فيها ب موقفه ويستحي من كشف الستر أو الصراط وحدته وصعوبة العبور عليه أو العذاب بالنار وأغلالها وأهوالها أو فوت الجنة ونعيمها وسلسالها أو نقصان الدرجات والحجاب عن الله أو نحوها فهذه مجامع المخاوف وتختلف أحوال الخائفين فيها اختلافا فاحشا
(٦٩)