بعد حصول المطلوب بالفعل وهو غير محل النزاع وقبله ممنوع الاطلاق فالوجه التفصيل بأنه إن شرع أحدهم فيه وظن الآخر أو جوز تأثير مشاركته له المنذر بسرعة البعث أو الردع أو رسوخهما في نفسه وجب عليه أيضا لتحقق الفايدة والوجوب عيني وإلا فلا لكونه عبثا حينئذ فكفائي ولا يجوز التجسس ولو في مواقع الريبة لاطلاق النهي عنه في الآية كوضع الإذن والأنف لاحساس الصوت والريح أو تشخيصهما وطلب إراءة ما تحت الثوب والسؤل عن العورات ونحو ذلك و للانكار مراتب ظاهرة وباطنة أولها ما كان بالقلب وحده وهو أن يبغضه عليه وهو البغض في الله المأمور به في السنة المتواترة وهو مشروط بعلم الناهي بالحكم واصرار المنهي على المنكر خاصة دون الشرطين الآخرين إذ لا يعقل فيه تأثير ولا ضرر لأن مرتبته الباطنة ثم باظهار الكراهة قولا أو فعلا متدرجا في مراتبه مع الايذان بأن ذلك لأجل ارتكاب المعصية وعن أمير المؤمنين (ع) أدنى الانكار أن تلقى أهل المعاصي بوجوه مكفهرة فإن ارتدع المرتكب اكتفى به وإلا أعرض عنه وهجره بقطع مخالطته ومكالمته ومواصلته وإن ارتدع اكتفى به وإلا أهانه باستحقاره والاستخفاف به والحط عن مرتبته بين الناس فإن ارتدع وإلا أنكره باللسان بالوعظ في الزجر مرتبا الأيسر فالأيسر فيبتدئ بالقول اللين ثم الغليظ ثم الأغلظ وغيره باليد ككسر الملاهي وإراقة الخمر وطم حفر القمار من غير ضمان مع التهديد بالمعاقبة إن عاد إليها ولو لم ينزجر إلا بالضرب وشبهه كالحبس والنفي فعل مع القدرة ولو تعذر إلا بالاستعانة بمن يتقوى به على ذلك وجبت من باب المقدمة ولو افتقر إلى الجراح جاز عند جماعة وتوقف على اخبار الحاكم وإذنه عند آخرين وهو أحوط أما القتل فالذي يقتضيه النظر عدم جوازه لفوات معنى الأمر و النهي معه إذ الغرض ارتكاب المأمور وترك المنهي وشرطه تجويز التأثير وهما منتفيان معه والأكثر سووا بينه وبين الجراح في الحكم من الجواز مطلقا أو بإذن الحاكم وكأنهم اعتبروا الفائدة بالنسبة إلى غيره إلا أن يتعرض لنفسه أو حريمه والمنصوص الجارية والامرأة والأم والبنت وابنة العم والقرابة فيجب عقلا وشرعا الدفاع عنهما بما أمكن من الصياح والضرب والجرح والقتل متدرجا من دون توقف على إذن قولا واحدا فإن قتل المدفوع حيث يتوقف الدفع كان دمه في نفس الأمر هدرا لا دية له ولا كفارة وإن كان مؤمنا وإن قتل الدافع كان شهيدا كما ورد أي مثله في الأجر دون بقية الأحكام ولأوليائه مطالبة القاتل وعليه الكفارة وكذا يهدر دم المقتول إذا رأى القاتل مع امرأته رجلا يزني بها فقتلهما أو واحدا منهما فإن له قتلهما من غير إثم رخصة من الشارع بالنص سواء كان الفعل مما يوجب الرجم أو الجلد حرين كان الزوجان أو عبدين أو مختلفين قد دخل الزوج بها أو لا دائما أو متعة عملا بالعموم كذا في المفاتيح وغيره ومن المتقدمين من قيد باحصانها ومن المتأخرين بما إذا علم مطاوعتها له ولم يفصحوا عن وجه القتل فيهما أنه حده لمصلحة العامة أو دفاع لمصلحة الدافع أو نهي عن المنكر لمصلحة النهي والاحتمالات الممكنة ستة مع مخالفته على الوجه المذكور للمعهود من أحكام كل منها فإن الأول لا يوافقه التعميمات المذكورة وفي الأخيرة لا قتل ابتداء وفي الجميع حيث يشرع يجب فيكون عزيمة لا رخصة وبما ذكرناه ظهر أن الخلط بين الدفاع والنهي عن المنكر من الايجازات المخلة وأن كلامهم في المسألة لا يخلو من اجمال والنظر فيها على وجهه متوقف على تحقيق النص المعول عليه ولم أظفر إلا على ما أورده الشهيد في الدروس قال روي أن من رأى زوجته تزني فله قتلهما ويبعد جدا أن يكون هو المشار إليه لكن الجماعة قاطعون بالحكم في الجملة من غير تردد وكيف كان فهو أيضا رخصة له فيما بينه وبين الله دون ظاهر الشرع إذ في الظاهر يجب عليه القود في الصورتين إذا أقر بالقتل أو قامت عليه البينة به إلا أن يأتي ببينة تشهد بمشاهدة الفاحشة في الثانية ودخوله شاهرا سلاحه مقبلا على رب المنزل أو متحرشا بحريمه ناعظا يناقشها في حل إزارها ونحو ذلك من الأمارات مع عدم الانتفاع بما دون القتل في الأولى أو يصدقه الولي أو لا يكذبه وروى المحمدون الثلاثة في الصحيح عن داود بن فرقد قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول إن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله قالوا لسعد بن عبادة أرأيت لو وجدت على بطن امرأتك رجلا ما كنت تصنع به قال كنت أضربه بالسيف قال فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله فقال ماذا يا سعد فذكر له ما قالوا وما أجاب به فقال رسول الله يا سعد فكيف بالأربعة الشهود فقال يا رسول الله بعد رأي عيني وعلم الله أنه قد فعل قال أي والله بعد رأي عينك وعلم الله أنه قد فعل لأن الله عز وجل جعل لكل شئ حدا وجعل لمن تعدى ذلك الحد حدا وعن أمير المؤمنين (ع) في جواب ما كتبه معاوية إلى أبي موسى الأشعري فيمن وجد مع امرأته رجلا فقتله إن جاء بأربعة يشهدون على ما شهد وإلا رفع برمته وله فيهما مع القتل باطنا الانكار ظاهرا أو الحلف عليه إن حلف مع التورية بما يخرجه عن الكذب إن أحسنها وإلا فبدونها لأنه محق في نفس الأمر ولا يجوز الاستسلام في الصورة الأولى فورد عن أبي جعفر (ع) إن الله (تع) ليمقت العبد يدخل عليه في بيته فلا يقاتل وهو من الانظلام المذموم المعدود في مقابلة الظلم فإن عجز عن المقاومة ورجى السلامة بالكف أو الهرب وجب ما أمكن منهما عينا أو تخييرا فإنها حينئذ من التهور المذموم وقد قال (تع) ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وهذه من أوضح صورها وعليه يحمل ما حكاه الله من استسلام هابيل وقوله لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لا قتلك إذا رأى من نفسه العجز عن الدفاع والهرب ورجى السلامة بالانقياد وفيه أن قوله بعد ذلك أني أخاف الله يؤذن بأن المانع له إنما كان الخوف من الله دون العجز
(٢٠٢)