المجاهدين فما لا ينقل من الغنيمة كالدور والأراضي والأشجار فهو لجميع المسلمين على العموم المجاهدين وغيرهم يليه الإمام ويصرف خراجه في مصالحهم وله اقطاعه لبعضهم حسب ما حسب ما يراه والمشهور ثبوت الخمس فيه كما هو ظاهر الآية وإن كان كلام المصنف هنا وفيما سبق مؤذنا بنفيه وأما المنقول منها كالنقود والدواب والأثاث فيختص بحاضري القتال بعد وضع موضوعاته وهي الجعايل التي يجعلها الإمام للمصالح كالدليل والعين وألحق بها ما يستتبعه الغنيمة من مؤنة الحراس ورعاة الدواب ونحو ذلك والخمس كما مضى والنفل بالتحريك وأصله الزيادة والمراد هنا زيادة الإمام لبعض الغانمين على نصيبه شيئا من الغنيمة لمصلحة كتهجم على قرن وافتتاح لحصن ونحوهما وما يصطفيه الإمام لنفسه من فرس فارة وجارية سرية وسيف ونحوها والجعائل قبل الخمس كما مر وكذا الصفايا كما في مرسلة حماد وتقسيم الباقي بين المقاتلة ومن حضر القتال ليقاتل وإن لم يقاتل حتى الابن المولود بعد الحيازة قبل القسمة من أولاد المقاتلين دون الحاضرين لغيره كالصناع والتجار وكذا المدد الآتي ليقاتل معهم الواصل إليهم حينئذ وإن لم يدركوا القتال وأما كيفية القسمة ففي رواية حفص بن غياث للفارس سهمان وللراجل سهم ولو لم يركبوا ولم يقاتلوا على أفراسهم أو قاتلوا في السفن وعليه الأكثر سهم له وسهم لفرسه وفي غيرها للفارس ثلاثة أسهم سهم له وسهمان لفرسه وهو المشتهر بين القوم رواية عن أمير المؤمنين (ع) وأن أبا حنيفة رده عليه بأنه كيف يجعل سهم بهيمة أكثر من سهم مؤمن وهو فاسد لأن السهمين ليسا للبهيمة وإنما هو للمؤمن الذي هو صاحب البهيمة بما جاهد بماله وبنفسه على وجه انبل وأقوى وأدخل في شوكة الاسلام من جهاد الراجل فتثليث قسمته ليس خارجا عن مقتضى الرأي ومستند المشهور يحتمل التقية هذا في الفرس الواحد وأما ما زاد فعن أمير المؤمنين إذا كان مع رجل أفراس في الغزو لم يسهم إلا لفرسين منها فعلى المشهور يسهم لذي الأفراس ثلاثة أسهم وعلى الأخير خمسة وحق الجهاد أن ينوي بها نصرة الدين واعلاء كلمة الله وبذل النفس وهي أحب المحبوبات في رضاه (تع) دون الفوز بالغنيمة والظفر على العدو والمحمدة بالشجاعة والحمية ونحوها وإن كانت من اللوازم وأن لا يغتم بما يصيب في نفس أو طرف أو مال ثقة منه بأن ثواب الله خير وأن ما ناله أكثر مما فاته ويكثر ذكر الله تثبيتا لعزمه وتسكينا لقلبه إذ بذكر الله تطمئن القلوب وافحاما للشيطان المثبط عنه وينسي علايق الدنيا بترك تحديث النفس بها سيما النساء والأولاد و الأموال والمساكن فإن ذكرها يهيج الشوق إليها ويكره فراقها ويسأل الله الثبات عنده وهو من الصبر على الطاعة كما سبق ولا تيسر إلا بتوفيقه (تع) وامداده فإنه من أحمز الأعمال وأصعبها على النفس ومن ثم عظم فيه الأجر وفضل الله المجاهدين على القاعدين فورد في الحديث النبوي فوق كل ذي بربر حتى يقتل في سبيل الله فإذا قتل في سبيل الله فليس فوقه بر والبر الأول بكسر الباء والثاني بفتحه والثالث كالأول إن أعيد البارز قبله إلى الفعل والثاني إن أعيد إلى ما يعود إليه مستكنه والجهاد الأعظم جهاد النفس وورد عن أمير المؤمنين (ع) أنه بعث رسول الله صلى الله عليه وآله سرية فلما رجعوا قال مرحبا بقوم قضوا الجهاد الأصغر وبقي عليهم الجهاد الأكبر قيل يا رسول الله وما الجهاد الأكبر قال جهاد النفس ثم قال (ع) أفضل الجهاد من جاهد نفسه التي بين جنبيه وعن أبي عبد الله (ع) في حديث وجوه الجهاد جهادان فرض فأما أحد الفرضين فمجاهدة الرجل نفسه عن معاصي الله (تع) وهو أعظم الجهاد ومجاهدة الذين يلونكم من الكفار فرض وإنما كان هذا أكبر وأفضل وأعظم لأن فتنة النفس على المكلف أشد من فتنة العدو الظاهر والاحتراز عنها أهم فإن مطاوعتها محبوبة بالطبع ومكايدها خفية جدا والبلوى بها أعم للأوقات والاستمرار على مشاقتها ومخالفتها عسر يضيق الذرع عنه ومضرتها أخروية باقية بخلافه وهذا يجب على الأعيان على ممر الأوقات وهو بالمراقبة والمحاسبة فإن حال الحازم في مرابطته مع نفسه ينبغي أن يكون كحاله مع عامله إذا سلم إليه مالا ليتجر به ويربح فالعقل هو التاجر وربحه المطلوب تزكية النفس إذ به فلاحها كما قال (تع) قد أفلح من زكيها وهو بالنفس إذ يستخرجها في الأعمال الصالحة كما يستعين التاجر بأجيره وكما أنه ربما يصير خصما منازعا يجاذبه في وجوه التصرف والاسترباح ويخرج عن صلاحه ورضاه فلا بد أن يشارطه أولا ويراقبه ثانيا ويحاسبه ثالثا ويشكره أو يعاقبه أخيرا كذلك لا بد مع نفسه المشارطة وقد كفاه الله سبحانه أقل ما يجب من ذلك بما وظف عليه من الأعمال والتكاليف ثم المراقبة بأن لا يغفل عنها ويتعاهدها ويتطلع عليها وقتا فوقتا عند خوضها في الأعمال فإن الانسان لو أهمل نفسه طرفة عين لوجد منها ما يجد من الوكيل الخائن من تضييع رأس المال وصرفه في شهواته إذا انفرد بالأمر وإلى مقام المراقبة وقعت الإشارة إليه بقوله عز وجل والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون والذين هم بشهاداتهم قائمون والذين هم لفروجهم حافظون ثم المحاسبة كل يوم كما روي عن أبي الحسن (ع) ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم فإن عمل حسنا استزاد الله وإن عمل سيئا استغفر الله منه وتاب إليه وعن أمير المؤمنين (ع) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله أكيس الكيسين من حاسب نفسه وعمل لما بعد الموت فقيل يا أمير المؤمنين كيف يحاسب نفسه قال إذا أصبح ثم أمسى رجع إلى نفسه وقال يا نفس إن هذا يوم مضى عليك لا يعود إليك أبدا والله يسألك عنه بما أفنيته فما الذي عملت فيه أذكرت الله أم حمدتيه أقضيت حوائج مؤمن فيه أنفست عنه كربة أحفظتيه بظهر الغيب في أهله وولده أحفظتيه بعد الموت في مخلفيه أكففت عن غيبته أخ مؤمن
(٢٠٠)