من لحومهم ويكف سمعه عن الاصغاء إلى الآفات المذكورات فإن المستمع شريك القائل ومن اصغي إلى ناطق فقد عبده فإن كان الناطق يحكي عن الله فقد عبد الله وإن كان يحكي عن الشيطان فقد عبد الشيطان ويمسك يده عن الضرب والبطش بغير حق والظلم وأذى الخادم وغيره ممن تحت اليد وأخذ الحرام وفعله ولو إشارة ويشغلها بمناولة الفقراء وكتابة القرآن والعلوم ومعاونة الضعفاء ورجله عن المشي إلى ما يكره ويذم بل يسعى بها إلى المساجد ومدارس العلوم وزيارة الإخوان وقضاء الحقوق وكذلك سائر جوارحه يكفها عما يضره ويشغلها بما ينفعه وعن أبي عبد الله (ع) إذا صمت فليصم سمعك وبصرك وشعرك وجلدك وعدد أشياء غير هذا وقال لا يكون يوم صومك كيوم فطرك وعنه (ع) إن الصيام ليس من الطعام والشراب وحده ثم قال قالت مريم إني نذرت للرحمن صوما أي صمتا وإذا صمتم فاحفظوا ألسنتكم وغضوا أبصاركم ولا تنازعوا ولا تحاسدوا قال سمع رسول الله صلى الله عليه وآله امرأة تسب جارية لها وهي صائمة فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله بطعام فقال لها كلي فقالت إني صائمة فقال كيف تكونين صائمة وقد سببت جاريتك إن الصوم ليس من الطعام والشراب فقط ثم قال أبو عبد الله (ع) إذا صمت فليصم سمعك وبصرك من الحرام والقبيح ودع المراء وأذى الخادم وليكن عليك وقار الصيام ومن الآداب أيضا أن يتسحر الصائم مطلقا و لا سيما في الواجب المعين وفي شهر رمضان آكد فورد في الحديث النبوي تسحروا ولو بجرع الماء ألا صلوات الله على المتسحرين وعن سماعة قال سألته عن السحور لمن أراد الصوم فقال أما في شهر رمضان فإن الفضل في السحور ولو بشربة من ماء وأما في التطوع فمن أحب أن يتسحر فليفعل ومن لم يفعل فلا بأس ويستفاد منهما ومما في معناهما أن أقله الماء وأما أفضله ففي صحيحة حفص عن أبي عبد الله (ع) أفضل سحوركم السويق والتمر وكلما قرب من الفجر كان أفضل والغرض المقصود منه أكمل ولا يجب الامساك بمجرد الاحتمال والظن بل له أن يتسحر ويأتي بغيره من المفطرات إلى أن يستيقن طلوع الفجر روى سماعة قال سألته عن رجلين قاما فنظرا إلى الفجر فقال أحدهما هو ذا وقال الآخر ما أرى شيئا فقال فليأكل الذي لم يتبين له الفجر وليشرب وقد حرم الله على الذي زعم أنه رأى الفجر لأن الله يقول وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر وفي رواية إسحاق بن عمار قلت لأبي عبد الله (ع) أكل في شهر رمضان بالليل حتى أشك قال كل حتى لا تشك وأن يفطر على حلو وفي حديث أبي عبد الله (ع) الحلواء فإن لم يجد فسكرة أو تميرات فإن أعوز ذلك كله فالماء الفاتر فإنه يغسل درن القلب والذنوب غسلا وينقي المعدة والكبد ويطيب ريح النكهة والفم ويقوي الأضراس والأحداق ويجلو الناظر و يسكن العروق الهايجة والمرة الغالبة ويقطع البلغم ويطفئ الحرارة عن المعدة ويذهب بالصداع وأن يؤخره عن الصلاة ليؤديها صائما فيكون قد بدأ بأفضل الفرضين وتكتب صلاته وهو صائم إلا أن ينتظر افطاره فلا يخالف عليهم كما في موثقة الفاضلين أو تنازعه نفسه للافطار كما ذكره غيره لمرسلة المفيد قال وروي في ذلك أيضا أنك إن كنت ممن تنازعك نفسك للافطار وتشغلك شهوتك عن الصلاة فابدأ بالافطار ليذهب عنك وسواس النفس اللوامة وقد تقدم في كتاب الصلاة ما ينبه عليه أيضا واستدل في المفاتيح بمفهوم مرسلة ابن بكير يستحب للصائم إن قوي على ذلك أن يصلي قبل أن يفطر وبما ذكرناه يتبين حال ما قيل إن الأولى تقديم الصلاة في هذه الصورة لاطلاق النصوص ومخالفة النفس في الميل إلى خلافه فإن الخير عادة انتهى وكان الصلاة المقدمة هي المغرب خاصة كما قاله في الوافي لأنهم كانوا يفرقون بين الصلاتين وأن يفطر الصائمين باطعامهم ما يفطرون به ولو دون شبعهم ولو شق تمرة أو مذقة من لبن أو شربة من ماء فورد عن أبي الحسن (ع) فطرك وفيما عندنا من نسخ الكافي والفقيه تفطيرك أخاك الصائم خير من صيامك وأن يجتنب تناول الحرام البين والشبهة وقت الافطار لئلا يكون من الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا فإن مثل من يكف نفسه عن الحلال ويفطر على الحرام أو الشبهة مثل من يبني قصرا ويهدم مصرا فيكون إثمه أكبر من نفعه فإن الطعام الحلال يضر بكثرته لا بنوعه والصوم لتقليله وتارك الاستكثار من الدولة خوفا من ضرره إذا عدل إلى تناول السم كان سفيها وأن لا يستكثر فيه من الحلال بحيث يمتلئ فورد في النبوي ما من وعاء أبغض إلى الله من بطن ملئ من حلال وكيف يستفاد من الصوم كسر الشهوة وتضعيف النفس البهيمية وقهر عدو الله إذا تدارك الصائم عند فطره ما فاته ضحاة نهاره وربما يزيد عليه في ألوان الطعام كما استمرت العادات بادخار الأطعمة الفاخرة لشهر رمضان فيؤكل فيه من الطيبات والمستلذات ما لا يؤكل في غيره وإذا مطلت المعدة ضحاة النهار إلى العشاء حتى هاجت شهوتها وقويت رغبتها ثم أطعمت من اللذات وأشبعت وملأت زادت لذتها وتضاعفت قوتها وانبعث فيها من الشهوات ما عساها كانت راكدة لو تركت على عادتها ومقتصر الهم طول نهاره على ترتيب المتناولات وتهيئتها وطرفي ليله على تناولها وقضاء الوطر منها وفي خلال ذلك بتهنئتها وهضمها واخراج أثقالها وتبعاتها فما أبعده عن ادراك معنى الصوم وسره وحقيقته والحكمة الباعثة على شرعيته والحث عليه وادراك ليلة القدر فإنها عبارة عن ليلتك التي ينكشف لك فيها شئ من الملكوت وعبيد البطون عن ذلك لمحجوبون وأن يكون مع ذلك كله غير متكل على عمله وإن بالغ في تخليصه وتمحيصه بل يكون قلبه عند الافطار معلقا مضطربا بين الخوف والرجاء لا يدري أيقبل صومه فيكون من المقربين الفائزين بجوائز ليست كجوائز العباد أو يرد عليه فهو من الممقوتين الذين ليس لهم من صومهم إلا الجوع والظما كما ورد باب الخلل وتداركه ليس على الناسي شئ من قضاء وكفارة وإثم في شئ من أنواع الصيام المسنونة
(١٦٩)