وبينهم (1) وضجت المسلمون وارتفعت الأصوات وجعلوا يقولون: لا نعطي هذه الدنية في ديننا، وجعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) يخفضهم ويومئ بيده إليهم أن اسكتوا، ثم قال: أرنيه، فأراه علي (عليه السلام) فمحاه بيده الشريفة (2) ثم أمر عليا (عليه السلام) أن يكتبه وأن من أتى محمدا بغير إذن وليه يرده إليه، ومن أتى قريشا من المسلمين لا يردوه إلى المسلمين، قال المسلمون: سبحان الله كيف نرد إلى المشركين من جاء مسلما وعسر عليهم شرط ذلك، وقالوا بإعجاب واستنكار: يا رسول الله أتكتب هذا؟ قال: نعم فإنه من ذهب منا فأبعده الله، ومن جاء منهم إلينا فسيجعل الله له فرجا ومخرجا (3) ومما زاد المسلمين غما بغم وهما بهم أنهم بين ذاك، إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو مسلما إليهم في قيوده (4) ورمى بنفسه بين المسلمين، فجعل المسلمون يرحبونه ويهنئونه، فلما رأى سهيل ابنه قام إليه فضرب وجهه وأخذ بتلبيبه، وقال: يا محمد قد لجت القضية بيني وبينك قبل أن يأتيك هذا، قال: صدقت.
وفي رواية أنه أخذ غصنا من شجر به شوك، وضرب به وجه أبي جندل ضربا شديدا حتى رق عليه المسلمون وبكوا وأخذ يجره ليرده إلى قريش، وجعل أبو جندل يصرخ بأعلى صوته يا معشر المسلمين أأرد إلى المشركين كي يفتنونني في ديني؟!!، ألا ترون ما لقيت؟ فزاد ذلك المسلمين حنقا وغيضا، وكادوا أن يهلكوا، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا أبا جندل اصبر واحتسب، فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا، إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحا، وأعطيناهم على ذلك وأعطونا عهد الله، وإنا لا نغدر بهم، وكان عمر يمشي إلى جنبه