أشفق على الاسلام وأشد احتياطا له من النبي (صلى الله عليه وآله)، يعلل عمله بذلك تارة وبإرادة الله تعالى أخرى.
ومما يؤيدنا ما ذكرنا هو أنه لو كان ما أراده حكما من الأحكام لما كان وجه لمنع عمر، وكذا لو كان غرضه (صلى الله عليه وآله) خلافة أبي بكر، لأنه إن كان المراد النص على حكم فرعي فردي أو اجتماعي لم يكن مهما عنده يبعثه على الاعتراض والتكلم بما قال، وكذا لو كان المقصود كتابة خلافة أبي بكر، لأن عمر هو مشيد أركان خلافته، ومؤيد أثافي حكومته، الراجع في الحقيقة على ما دبر وإلى تأسيس نظام حكومة نفسه كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام): " احلب حلبا لك شطره " (1) فلا وجه حينئذ لمخالفته، فمنع عمر وأعضاده وأعوانه يدل على أن غرضه (صلى الله عليه وآله) كان التنصيص على خلافة علي (عليه السلام) والأئمة من ولده.
ويؤيده أيضا أسف ابن عباس وعده عدم الكتابة رزية وأية رزية يبكي عليها بكاء الثكلى حتى تبل دموعه الحصى، وقوله: " إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب لاختلافهم ولغطهم " وقوله كما في رواية سليم: " يا سليم لولا ما قال ذلك الرجل لكتب لنا كتابا لا يضل أحد ولا يختلف " ماذا كان هذا الأمر الذي يبكي عليه ابن عباس ويتلهف ويتأسف عدا ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)؟؟ (2).
ويشهد لما ذكرنا ما في نقل الحسن بن أبي الحسن عن ابن عباس وعلي (عليه السلام)