فلما رجع رسول الله (صلى الله عليه وآله) عنهم وقتل عروة، أقام بالمدينة بين ذي الحجة ورجب، ثم تجهز لغزوة الروم، فخرج إلى تبوك فرجع إلى المدينة في رمضان سنة تسع، وفي خلال تلك المدة رأى ثقيف ممن حولهم من الأعراب ما يسوؤهم في الأموال والأنفس، إذ أسلم من حولهم وهم يستحلون أموال ثقيف، لأنهم كفار، فكانوا يستلبون أموالهم ويرعون زروعهم ويغنمون ما أخذوا منهم من الديون الكثيرة فلا يؤدونها، بيد أن جمعا منهم تفاهموا ودخل الاسلام في قلوبهم، فعندئذ اضطروا إلى الاسلام أو الاستسلام لما رأوا أنهم لا طاقة لهم بحرب من حولهم من الأعراب، فوفد أشرافهم إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكتب لهم هذا الكتاب.
قال ابن هشام: " إن عمرو بن أمية كان مهاجرا لعبد ياليل بن عمرو الذي بينهما سيئ، وكان عمرو بن أمية من أدهى العرب، فمشى إلى عبد ياليل حتى دخل داره، ثم أرسل إليه أن عمرو بن أمية يقول لك: أخرج إلي فقال عبد ياليل للرسول:
ويلك أعمرو أرسلك إلي؟ قال نعم وها هو ذا واقفا في دارك، فقال: إن هذا لشئ ما كنت أظنه [بعمرو] لعمرو كان أمنع في نفسه من ذلك، فخرج إليه فلما رآه رحب به فقال له عمرو إنه قد نزل بنا أمر ليست معه هجرة، إنه قد كان من أمر هذا الرجل يعني بذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما قد رأيت، وقد أسلمت العرب كلها، وليست لكم بحربهم طاقة فانظروا في أمركم، فعند ذلك ائتمرت ثقيف بينها، وقال بعضهم لبعض: أفلا ترون أنه لا يؤمن لكم سرب، ولا يخرج منكم أحد إلا اقتطع، فأتمروا بينهم وأجمعوا أن يرسلوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) رجلا كما أرسلوا عروة.
فكلموا في ذلك عبد ياليل بن عمرو وكان في سن عروة بن مسعود فأبى، لأنه خشي أن يفعل به كما فعل بعروة، فكلموا شرحبيل بن غيلان وغيره من أشراف ثقيف فوفدوا في تسعة عشر رجلا أو أقل (1).