رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين (ع) - السدي علي خان المدني الشيرازي - ج ٤ - الصفحة ١٩٠

____________________
يعرف وجوده وجنسه وعلته وكيفيته، ولهذا يقال: الله عالم بكذا ولا يقال: عارف، لما كان العرفان يستعمل في العلم القاصر.
وأيضا فالمعرفة تقال فيما يتوصل إليه بتفكر وتدبر، والعلم قد يقال في ذلك وفي غيره. وفرق بينهما بفروق أخرى تقدم بعضها، وأهل اللغة وبعض أهل الأصول والميزان على أنهما مترادفان.
وقوله عليه السلام: «ما يجهلون» أي: ما يجهلونه فحذف العائد، والمراد به ما كان الجهل به بسيطا، وهو عدم العلم عما من شأنه أن يكون معلوما، أو مركبا وهو الاعتقاد الجازم غير المطابق للواقع.
وبصره الشيء تبصيرا: عرفه وعلمه إياه، وجعله ذا بصيرة به أي: ذا علم وخبرة به.
وقوله: «ما لا يبصرون» من بصر القلب أيضا أي: ما لا يعلمون، خلافا لمن خص الإبصار برؤية العين، فقال: أبصرته: برؤية العين، وبصرت به بالضم بصرا بفتحتين: برؤية القلب، فقد فسر الزمخشري وغيره قوله تعالى: «أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون» ببصر القلب، فقال: أي: تعلمون أنها فاحشة لم تسبقوا إليها (1).
هذا ولما كان للمرابط والمجاهد مزيد افتقار إلى المعرفة بأنواع القتال، وأن يحيط علمه خبرا بالمكان الذي يرابط فيه، ويعرف المدارج المخوفة التي يرتادها المغتالون، وما يحيط بالثغر من سهل وجبل، وأن يكون ذا بصيرة بمكائد العدو ومكامنه ليحذر من بغتته، ألحف عليه السلام في السؤال لهم بتعريفهم ما يجهلون وتعليمهم ما لا يعلمون وتبصيرهم مالا يبصرون والله أعلم.

(1) تفسير الكشاف: ج 3 ص 374.
(١٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 185 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 ... » »»
الفهرست