تفاعلا مناسبا ولأجل هذا المعنى كان علم البيان في الحقيقة من العلوم النفسية.
وقد يقتضي ما ذكرنا اختيار أساليب مختلفة حسب اختلاف المقامات، ولذلك عرف هذا العلم بأنه (علم يعرف به أداء المعنى الواحد بطرق مختلفة في وضوح الدلالة وخفائها) إلا إن الصحيح أن يقال في التعريف (بطرق مختلفة في التأثير في النفس شدة وضعفا) لان سر الاختلاف في الأسلوب ليس اختلاف الأساليب في مستوى الوضوح وإنما منشأه اختلافها في الوقع والتأثير النفسي المطلوب حصوله في نفس المخاطب ونوعه.
فالتعبير الحقيقي والتشبيه والاستعارة مثلا أساليب تختلف في درجة إثارة المعنى في نفس المخاطب كما لو قيل (زيد شجاع) أو (زيد كالأسد) أو (جاء الأسد)، فإثارة الاستعارة للاحساس بشجاعة زيد أقوى من إثارة التشبيه كما إن إثارة التشبيه بدورها أقوى من إثارة التعبير الحقيقي.
وأما النكتة الموجبة لاختيار أسلوب الكناية من قبل الشارع في مقام بيان تحديد الحكم فهي ترتكز على أمرين:
أحدهما: اختلاف هذا الأسلوب عن أسلوب التصريح في نوع إثارة المعنى. ويظهر ذلك فيما لو استخدمنا هذين الأسلوبين في مقابل فكرة عامة مخالفة لمحتواهما، فأسلوب التصريح - بلحاظ إنه يمثل المعنى على ما هو عليه - يكون جارحا لتلك الفكرة معارضا لها، ولذا قلنا إن لسانه لسان المعارضة مع العام وإذا كان المخاطب بالكلام مقتنعا بتلك الفكرة المخالفة وكان الترابط بين الحكم والموضوع - مثلا - في ذهنه ترابطا وثيقا، فإن مواجهته بهذا الأسلوب يثير إحساسه ضد مؤدى الكلام طبعا فيوجب إنكاره أو استنكاره له، من جهة كون ذلك مجابهة واضحة مع ما ارتكز في ذهنه من الارتباط بينهما.