فلا يلزم في مثله مراعاة نقل الحديث بتمامه إذا كان بعض فقراته لا يرتبط بما هو مقصود المؤلف كما في المقام، فإن قوله (لا ضرر ولا ضرار) يجري مجرى التعليل الذي لا حاجة إلى ذكره في مقام الافتاء بمضمون الرواية.
وأما روايات العامة فقد تقدم الكلام في مدى ما يمكن الاعتماد عليه في مقابل رواياتنا عند الحديث عن رواية عبادة بن الصامت فلاحظ.
الوجه الثاني: إن مضمون حديث منع فضل الماء يأبى عن الالتزام بالترابط بينه وبين قوله (لا ضرر ولا ضرار) وذلك من جهتين:
الأولى: إن منع المالك فضل ماله عن الغير لا يعد ضررا بالنسبة إلى الغير، وإنما هو من قبيل عدم النفع ومعلوم إن عدم النفع لا يعد ضررا.
الثانية: إن النهي في مورد الحديث تنزيهي قطعا، لعدم حرمة منع فضل المال عن الغير بالضرورة فلا يندرج ذلك تحت كبرى (لا ضرر ولا ضرار) بأي من معانيها.
والتحقيق أن مرجع هاتين الجهتين إلى جهة واحدة، وهي عدم ثبوت حق للغير في الاستفادة من فضل الماء لأنه إذا كان له حق في ذلك فإن منعه عنه يكون ضررا عليه لأنه تنقيص لحقه، فلا يكون النهي عن منعه حينئذ نهيا تنزيهيا، فيمكن تطبيق كبرى لا ضرر ولا ضرار على مورده، وأما إذا لم يكن له حق في ذلك اتجه الاشكال في انطباق (لا ضرر) من الجهتين - موضوعا وحكما - فجهة الاشكال أساسا: إنه لا حق للغير في الاستفادة من فضل الماء.
والصحيح عدم اتجاه هذا الاشكال وتوضيحه: إن الابار التي كان أهل البادية - وهم الاعراب الرحل - يستفيدون من مائها أما أنها كانت من المباحات الأصلية، أو ما هي في حكمها، - كالآبار الموقوفة وقفا عاما لاستفادة الناس منها - كما لا يبعد أن ذلك كان هو الغالب فيها، لعدم كونهم