فهموا مغزى هذا الحديث على النحو الذي استظهرناه، مع أن الشواهد المختلفة تدل على أن أكثرهم لم يكونوا بهذه المنزلة، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله في خطبته التي خطبها في مسجد الخيف - وقد نقلها الفريقان - (نضر الله عبدا سمع مقالتي فوعاها وبلغها من لم تبلغه، يا أيها الناس ليبلغ الشاهد الغائب، فرب حامل فقه ليس بفقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه) (1). وفي الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام:
(وليس كل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله كان يسأله الشئ فيفهم وكان منهم من يسأله ويستفهمه، حتى أنهم كانوا ليحبون أن يجئ الاعرابي والطارئ فيسأل رسول الله صلى الله عليه وآله حتى يسمعوا) (2). بل كانت معرفتهم بالقرآن كذلك وقد أوضحنا ذلك في بعض مباحث حجية ظواهر الكتاب ومقدمة بحث حجية خبر الواحد وذكرنا جملة من شواهد ذلك من روايات الفريقين.
وثانيا: إنه على تقدير فهمهم لمعنى الحديث وثبوت عدم اعتراضهم أو سؤالهم أو بدعوى أنه لو كان لنقل - لتوفر الدواعي على نقله - فمن الممكن أن يكون الوجه في ذلك تنبه فقهاء الصحابة للطريق السابق في حل الاشكال من عدم نفي (لا ضرر) لكل ضرر من جهة عدم صدق الضرر في كثير من هذه الموارد على ما سبق توضيحه. وما يبقى منها - من موارد قليلة - فإنه ربما خصص الحديث بالنسبة إليها لان الخاص حيث وجد يتقدم على العام، وإن كان يدور بين أن يكون ناسخا أو مخصصا إلا إنه يحمل على الثاني بحسب المتفاهم العرفي، فيمكن أن يكون الوجه في عدم اعتراضهم