لكن هذا الوجه غير تام أيضا إذ يرد عليه مضافا إلى النقاش في أصل هذا التفسير على ما اتضح من الأبحاث السابقة إنه لا فرق بين كون النهي أوليا أو سلطانيا في عدم صحة وقوعه تعليلا للامر بالقلع، فإن مفاد النهي على كل حال هو حرمة الاضرار بالغير، وهي لا تنتج إمكان الاضرار بالمضر كما هو واضح ولو فرض أنها تنتج ذلك لم يكن فرق بين نوع الحكم من كونه حكما مولويا أوليا أو حكما سلطانيا.
الوجه الرابع: ما يبتني على التفسير المختار لجملة (لا ضرار) من إن مفادها التسبيب إلى عدم الاضرار وهو ينحل إلى أمرين: أحدهما: سلب مشروعية الاضرار قانونا بجعله عملا محرما. والثاني: اعطاء صلاحيات إجرائية للحاكم بما أنه ولي أمر المسلمين في اتخاذ الوسيلة المناسبة - خفة وتأثيرا وفق قوانين الشريعة المقدسة - لمنع تحقق الاضرار وهدم وسائله خارجا.
وهذا الجانب من مفاد (لا ضرر) يمكن أن يبرر أمر النبي صلى الله عليه وآله بقلع النخلة. وكان صلى الله عليه وآله قد أمر سمرة قبل اتخاذ هذه الخطوة التنفيذية بالاستئذان من الأنصاري أمرا له بالمعروف فلم يجده.
ثم ساومه بشرائها منه بثمن أزيد وأزيد حتى عرض عليه بديلها شجرة في الجنة - تجنبا منه صلى الله عليه وآله عن الاضرار به - فلم يرتدع أيضا.
وكانت هذه المساومة منه صلى الله عليه وآله غير واجبة عليه فإن للحاكم أن يعمل القوة لمنع الاضرار بعد الامر القولي بالمعروف مباشرة إذا لم يستجب المأمور لذلك - ولكن النبي صلى الله عليه وآله عامل سمرة بعظيم خلقه وكرمه.
فكان من وظيفته صلى الله عليه وآله بعد ذلك أن يمنع من إضرار سمرة بالأنصاري منعا عمليا. ولم يكن في هذا السبيل خيار أخف وأجدى