لم يكن الحكم هنا حكما مشتبها في المورد لكي يخبر النبي صلى الله عليه وآله بأن الحكم الضرري منفي في الاسلام أو منهي عنه من قبله تعالى.
وأما الثاني: فلانه لم يكن هناك نزاع بين الرجل الأنصاري وبين سمرة في حق أو مال. وإنما كان مورد الحديث شكاية الأنصاري ظلم سمرة له في الدخول في داره بدون استئذان ووقوعه لذلك في الضيق والمشقة، واستنجاده به صلى الله عليه وآله بما إنه ولي على الأمة في رفع هذا الظلم ومنع سمرة من ذلك، فاستجاب النبي صلى الله عليه وآله لطلب الأنصاري فأمر سمرة بالاستئذان أولا ثم أمر بقلع شجرته ثانيا منعا لوقوع الضرر في حوزة حكومته، وتحكيما للعدل وقمعا للظلم بين الرعية، وهذا إنما يناسب الحكم السلطاني.
الثالث: إن الحديث قد وقع تعليلا للامر بالقلع في قضية سمرة مع إنه لو أريد نفي الحكم الضرري أو النهي الأولي عن الاضرار لم يتجه كونه تعليلا لذلك، إذ هذان المعنيان لا يبرران الاضرار بالغير بالقلع. لان القلع في حد نفسه إضرار كما إن الامر به حكم ضرري، وإنما يبرر ذلك أعمال الولاية قطعا لمادة الفساد ودفعا للضرر والضرار، فلا بد أن يكون مفاد (لا ضرر) حكما سلطانيا حتى ينسجم التعليل مع الحكم المعلل.
وهذا المعنى هو أكثر ما وقع محلا للتركيز في كلامه (قده).
ولكن هذا الوجه غير تام أيضا:
لان النهي عن الاضرار إنما يناسب أن يكون حكما كليا إلهيا لا حكما سلطانيا، لان الاضرار بالغير ظلم عليه وقبح الظلم من القوانين الفطرية بل هو أوضح موارد التحسين والتقبيح العقليين، فكيف تكون صفحة التشريع الإلهي خالية عن مثل هذا الحكم الفطري مع إن التشريعات الإلهية تفصيل وتوضيح للقوانين الفطرية فيكون في مستوى حكم سلطاني وضعه النبي