الحكومة في المقام فلا بأس بالبحث عنها أولا، فيقع الكلام في مقامين:
المقام الأول: في حقيقة الحكومة التضييقية.
ويلاحظ إن الحكومة تطلق على معنيين فتارة يراد بها الخصوصية التي توجد في الدليل الحاكم التي توجب تقديمه على الدليل الآخر متى لم يكن هناك مانع من ذلك، وبهذا المعنى تعد الحكومة من المزايا الدلالية لاحد المتعارضين. وأخرى يراد بها التحكيم وهو العلاج الخاص بين الدليلين المتعارضين حيث يكون أحدهما بأسلوب الحكومة كما يراد بالتخصيص أيضا نوع علاج خاص بين العام والخاص أو العامين من وجه وحقيقة هذا العلاج الحكم بأوسعية مقام الاثبات عن مقام الثبوت في الدليل الآخر تقديما للدليل المتضمن لأسلوب الحكومة، فيقابل النسخ وغيره من وجوه التقديم. وهذا المعنى من شؤون المعنى الأول وآثاره، ونحن نبحث أولا عن حقيقة الحكومة بالمعنى الأول ثم نتعرض لوجه تقديم الحاكم على المحكوم وكيفيته وشرائطه. وذلك في ضمن جهات:
الجهة الأولى: في ذكر تقسيمات الحكومة ومحل البحث من أقسامها:
التقسيم الأول: إن محتوى الدليل - بحسب المراد الاستعمالي - يكون على أحد نوعين:
1 - أن يكون محتواه اعتبارا أدبيا تنزيليا وذلك من قبيل إثبات الحكم بلسان إثبات موضوعه أو نفيه بلسان نفيه كأن يقال بعد الامر بإكرام العلماء مثلا (المتقي عالم) و (الفاسق ليس بعالم) فإن الأول يثبت وجوب الاكرام للمتقي بلسان تحقق موضوع الوجوب وهو العالم، كما أن الثاني ينفي وجوب الاكرام عن العالم الفاسق بلسان نفي تحقق موضوعه. ومن الواضح إن اندراج المتقي تحت العالم وخروج العالم الفاسق عنه اعتبار أدبي تنزيلي.