وبذلك ظهر أن معنى النهي لا يتجه في الأمثلة المذكورة، إلا فيما لم يقترن بزيادة في الاسلام وكان المتعلق ماهية خارجية يؤتى بها لبعض الدواعي الشهوية والغضبية ك ﴿لا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج﴾ (1).
الوجه الثاني: تبادر النهي من الحديث وانسباقه إلى الذهن. قال (قده) (في كلام له عن هذا المسلك): (وهو الذي لا تسبق الأذهان الفارغة عن الشبهات العلمية إلا إليه) (2) وقال (وبالجملة: فلا إشكال في أن المتبادر إلى الأذهان الخالية من أهل المحاورات قبل أن ترد عليها شبهة التمسك بالحديث في نفي الحكم الوضعي ليس إلا النهي التكليفي) (3).
(ويلاحظ عليه): إنه لا يتجه التمسك بالتبادر في المقام - كما سبق - وذلك لأن الشك (تارة) يكون في تشخيص المراد الاستعمالي وضعا أو انصرافا و (أخرى) في تشخيص توافق المراد التفهيمي مع المراد الاستعمالي وعدمه. (وثالثة) في تشخيص المراد التفهيمي المردد بين وجوه بعد العلم بعدم توافقه مع المراد الاستعمالي. والتمسك بالتبادر إنما يتجه في المرحلة الأولى لاثبات العلقة الوضعية أو الانصراف. وأما في المرحلتين الأخيرتين فلا عبرة بادعاء التبادر بل المناط في المرحلة الثانية وجود القرينة المعينة لهذا المعنى أو ذاك بعد وجود القرينة الصارفة عن المراد الاستعمالي. ومن المعلوم إن حمل الحديث على النهي ليس تحديدا لمدلوله الاستعمالي وإنما هو اقتراح في المراد التفهيمي بعد الاعتراف بتخالفه مع المراد الاستعمالي.
فلا بد إذن من ملاحظة الجهات المحيطة بهذا الحديث لملاحظة مدى توفر القرينة على أحد الوجوه المقترحة في تحديد المراد التفهيمي وقد