منعهم من الماء منعهم من الكلأ) قال (وإلى هذا التفسير ذهب الجمهور) وفرع عليه إنه لو لم يكن هناك كلا يرعى فلا نهي عن المنع لانتفاء العلة، لان هذا الوجه مبني على أن يكون قوله (ليمنع به فضل كلا) علة للنهي عن منع فضل الماء بتقدير (لا) النافية فيه، فيكون المعنى (لئلا يمنع به فضل كلا) وهذا هو الفارق بينه وبين الوجه الأول، فإن محصل الأول أن مصب النهي هو المنع من الماء بلحاظ أن من عواقبه ترك الكلأ، لا أنه علة له، بينما مفاد هذا الوجه أنه لا نهي عن منع الماء إلا إذا كان سببا لمنع الكلأ، ولذلك يكون هذا الوجه خلاف الظاهر جدا.
الرابع: إن المراد إنه لا يمنع قوم فضل الماء المباح عن الرعاة لأجل أن يمنعوهم عن الكلأ المباح احتفاظا به لأنفسهم فالمنع عن الكلأ - على هذا الوجه - علة للمنع من فضل الماء نفسه، لا علة للنهي عن منع فضل الماء كما في الوجه السابق وقد ذكر هذا المعنى في الوافي (1) قائلا (قيل كان بعضهم يمنع فضل الماء من مواشي المسلمين حتى لا تأكل مواشيهم العشب والكلأ الذي حول مائه، فنهى عليه السلام عن المنع لأنه لو منع لم ينزل حول بئره أحد فحرموا الكلأ المباح حينئذ).
وحكى ابن حجر هذا الوجه في موضع آخر من فتح الباري (2) عن المهلب قال: (قال المهلب المراد رجل كان له بئر وحولها كلا مباح - وهو بفتح الكاف واللام مهموز ما يرعى - فأراد الاختصاص به، فيمنع فضل ماء بئره وأن ترده نعم غيره للشرب، ولا حاجة به إلى الماء الذي يمنعه وإنما حاجته إلى الكلأ، وهو لا يقدر على منعه لكونه غير مملوك له، فيمنع الماء فيتوفر له الكلأ، لان النعم لا تستغني عن الماء بل إذا رعت الكلأ عطشت