كانوا يصومون الخ، في حديث عائشة أنها كانت تصومه قريش. قال في الفتح: وأما صيام قريش لعاشوراء فلعلهم تلقوه من الشرع السالف كانوا يعظمونه بكسوة الكعبة وغير ذلك. قال الحافظ: ثم رأيت في المجلس الثالث من مجالس الباغندي الكبير عن عكرمة أنه سأل عن ذلك فقال: أذنبت قريش ذنبا في الجاهلية فعظم في صدورهم فقيل لهم صوموا عاشوراء يكفر ذلك انتهى. قوله: فرأى اليهود تصوم عاشوراء في رواية لمسلم: فوجد اليهود صياما وقد استشكل ظاهر هذا الخبر لاقتضائه أنه صلى الله عليه وآله وسلم حين قدومه المدينة وجد اليهود صياما يوم عاشوراء، وإنما قدم المدينة في ربيع الأول. وأجيب بأن المراد أن أول علمه بذلك وسؤاله عنه كان بعد أن قدم المدينة أو يكون في الكلام حذف، وتقديره قدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم المدينة فأقام إلى يوم عاشوراء فوجد اليهود فيه صياما، ويحتمل أن يكون أولئك اليهود كانوا يحسبون يوم عاشوراء بحساب السنين الشمسية، فصادف يوم عاشوراء بحسابهم اليوم الذي قدم فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم المدينة. قوله:
فصامه وأمر بصيامه قد استشكل رجوعه صلى الله عليه وآله وسلم إلى اليهود في ذلك. وأجاب المازري باحتمال أن يكون أوحى إليه بصدقهم، أو تواتر عنده الخبر بذلك، أو أخبره من أسلم منهم كابن سلام، ثم قال: ليس في الخبر أنه ابتدأ الامر بصيامه، بل في حديث عائشة التصريح بأنه كان يصومه قبل ذلك، فغاية ما في القصة أنه لم يحدث له بقول اليهود تجديد حكم، ولا مخالفة بينه وبين حديث عائشة أن أهل الجاهلية كانوا يصومون كما تقدم، إذ لا مانع من توارد الفريقين على صيامه مع اختلاف السبب في ذلك. قال القرطبي: وعلى كل حال فلم يصمه اقتداء بهم فإنه كان يصومه قبل ذلك، وكان ذلك في الوقت الذي يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم ينه عنه. قوله:
ولم يكتب عليكم صيامه الخ، هذا كله من كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما بينه النسائي. واستدل به على أنه لم يكن فرضا قط كما قال المصنف، قال الحافظ:
ولا دلالة فيه لاحتمال أن يريد، ولم يكتب عليكم صيامه على الدوام كصيام رمضان، وغايته أنه عام خص بالأدلة الدالة على تقدم وجوبه، ويؤيد ذلك أن معاوية إنما صحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم من سنة الفتح، والذين شهدوا أمره بصيام عاشوراء والنداء بذلك شهدوه في السنة الأولى أول العام الثاني، ويؤخذ من مجموع