الأحاديث أنه كان واجبا لثبوت الامر بصومه، ثم تأكيد الامر بذلك، ثم زيادة التأكيد بالنداء العام، ثم زيادته بأمر من أكل بالامساك، ثم زيادته بأمر الأمهات أن لا يرضعن فيه الأطفال. ومقول ابن مسعود الثابت في مسلم لما فرض رمضان ترك عاشوراء، مع العلم بأنه ما ترك استحبابه بل هو باق، فدل على أن المتروك وجوبه. وأما قول بعضهم المتروك تأكيد استحبابه والباقي مطلق الاستحباب فلا يخفى ضعفه بل تأكد استحبابه باق، ولا سيما مع استمرار الاهتمام به حتى في عام وفاته صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال: لئن بقيت لأصومن التاسع كما سيأتي، ولترغيبه فيه وإخباره بأنه يكفر سنة فأي تأكيد أبلغ من هذا؟
وعن ابن عباس قال: لما صام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا: يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى، فقال: فإذا كان عام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع، قال: فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رواه مسلم وأبو داود. وفي لفظ: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع يعني يوم عاشوراء رواه أحمد ومسلم. وفي رواية: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: صوموا يوم عاشوراء وخالفوا اليهود، صوموا قبله يوما وبعده يوما رواه أحمد.
رواية أحمد هذه ضعيفة منكرة من طريق داود بن علي عن أبيه عن جده، رواها عنه ابن أبي ليلى. قوله: تعظمه اليهود والنصارى استشكل هذا بأن التعليل بنجاة موسى وغرق فرعون مما يدل على اختصاص ذلك بموسى واليهود. وأجيب باحتمال أن يكون سبب تعظيم النصارى أن عيسى كان يصومه، وهو مما لم ينسخ من شريعة موسى، لأن كثيرا منها ما نسخ بشريعة عيسى لقوله تعالى: * (ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم) * (آل عمران: 50) وأكثر الاحكام إنما يتلقاها النصارى من التوراة. وقد أخرج أحمد عن ابن عباس أن السفينة استوت على الجودي فيه فصامه نوح، وموسى شكر الله تعالى، وكان ذكر موسى دون غيره لمشاركته له في الفرح باعتبار نجاتهما وغرق أعدائهما. قوله: صمنا اليوم التاسع يحتمل أن المراد أنه لا يقتصر عليه بل يضيفه إلى اليوم العاشر، إما احتياطا له، وإما مخالفة لليهود والنصارى، ويحتمل أن المراد أنه يقتصر على صومه، ولكنه ليس في اللفظ ما يدل