فأذاه ريح بخورها. وللطبراني والبيهقي من وجه آخر عنه كراهية أن يعلو على رأسه، فإن ذلك لا يعارض الاخبار الأولى الصحيحة، أما أولا فلان أسانيد هذه لا تقاوم تلك في الصحة، وأما ثانيا فلان التعليل بذلك راجع إلى ما فهم الراوي، والتعليل الماضي صريح من لفظ النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكأن الراوي لم يسمع التصريح بالتعليل منه صلى الله عليه وآله وسلم، فعلل باجتهاده، ومقتضى التعليل بقوله: أليست نفسا أن ذلك يستحب لكل جنازة. (واختلف العلماء) في هذه المسألة فذهب أحمد وإسحاق وابن حبيب وابن الماجشون أن القيام للجنازة لم ينسخ، والقعود منه صلى الله عليه وآله وسلم كما في حديث علي الآتي إنما هو لبيان الجواز، فمن جلس فهو في سعة، ومن قام فله أجر. وكذا قال ابن حزم: أن قعوده صلى الله عليه وآله وسلم بعد أمره بالقيام يدل على أن الامر للندب، ولا يجوز أن يكون نسخا. قال النووي:
والمختار أنه مستحب، وبه قال المتولي وصاحب المهذب من الشافعية. وممن ذهب إلى استحباب القيام ابن عمر، وابن مسعود، وقيس بن سعد، وسهل بن حنيف، كما يدل على ذلك الروايات المذكورة في الباب. وقال مالك وأبو حنيفة والشافعي: إن القيام منسوخ بحديث علي الآتي. قال الشافعي: إما أن يكون القيام منسوخا أو يكون لعلة، وأيهما كان فقد ثبت أنه تركه بعد فعله، والحجة في الآخر من أمره، والقعود أحب إلي انتهى. وسيأتي بيان ما هو الحق. وظاهر أحاديث الباب أنه يشرع القيام لجنازة المسلم والكافر كما تقدم.
وعن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمرنا بالقيام في الجنازة ثم جلس بعد ذلك وأمرنا بالجلوس رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة بنحوه. وعن ابن سيرين: أن جنازة مرت بالحسن وابن عباس فقام الحسن ولم يقم ابن عباس، فقال الحسن لابن عباس: أما قام لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقال: قام وقعد رواه أحمد والنسائي.
الحديث الأول رجال إسناده ثقات عند أبي داود وابن ماجة، وقد أخرجه ابن حبان بهذا اللفظ، والبيهقي بلفظ: ثم قعد بعد ذلك وأمرهم بالقعود. وقد خرج حديث علي مسلم باللفظ الذي تقدم في الباب الأول. والحديث الثاني رجال إسناده ثقات، وقد أشار إليه الترمذي أيضا. (وفي الباب) عن عبادة بن الصامت عند