به، فجاء على أصل الأفعال للتعدية، والآخر: إنه لما كان معناه لا تهلكوا أنفسكم بأيديكم، دخلت الباء لتدل على هذا المعنى وهو خلاف أهلك نفسه بيد غيره.
المعنى: لما أوجب سبحانه القتال في سبيل الله، عقبه بذكر الانفاق فيه، فقال: (وأنفقوا في سبيل الله) معناه: وأنفقوا من أموالكم في الجهاد، وطريق الدين، وكل ما أمر الله به من الخير، وأبواب البر، فهو سبيل الله، لأن السبيل هو الطريق. فسبيل الله: الطريق إلى الله، وإلى رحمة الله وثوابه. إلا أنه كثر استعماله في الجهاد، لأن الجود بالنفس أقصى غاية الجود. والجهاد هو الأمر الذي يخاطر فيه بالروح، فكانت له مزية. (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) قيل في معناه وجوه أحدها: إنه أراد لا تهلكوا أنفسكم بأيديكم بترك الانفاق في سبيل الله، فيغلب عليكم العدو، عن ابن عباس، وجماعة من المفسرين وثانيها: إنه عنى به لا تركبوا المعاصي باليأس من المغفرة، عن البراء بن عازب، وعبيدة السلماني وثالثها: إن المراد لا تقتحموا الحرب من غير نكاية في العدو، ولا قدرة على دفاعهم، عن الثوري، واختاره البلخي ورابعها: إن المراد ولا تسرفوا في الانفاق الذي يأتي على النفس، عن الجبائي، ويقرب منه ما روي عن أبي عبد الله: لو أن رجلا أنفق ما في يديه في سبيل الله ما كان أحسن ولا وفق لقوله سبحانه (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة).
(وأحسنوا إن الله يحب المحسنين) يعني: المقتصدين. وقال عكرمة: معناه أحسنوا الظن بالله يبر بكم. وقال عبد الرحمن بن زيد: وأحسنوا بالعود على المحتاج، والأولى حمل الآية على جميع هذه الوجوه، ولا تنافي فيها. وفي هذه الآية دلالة على تحريم الإقدام على ما يخاف منه على النفس، وعلى جواز ترك الأمر بالمعروف عند الخوف، لأن في ذلك إلقاء النفس إلى التهلكة. وفيها دلالة على جواز الصلح مع الكفار والبغاة، إذا خاف الإمام على نفسه، أو على المسلمين كما فعله رسول الله " صلى الله عليه وآله وسلم " عام الحديبية، وفعله أمير المؤمنين " عليه السلام " بصفين، وفعله " عليه السلام " مع معاوية من المصالحة لما تشتت أمره، وخاف على نفسه وشيعته. فإن عورضنا بأن الحسين " عليه السلام " قاتل وحده؟ فالجواب: إن فعله يحتمل وجهين أحدهما: إنه ظن أنهم لا يقتلونه لمكانه من رسول الله " صلى الله عليه وآله وسلم " والآخر: إنه غلب على ظنه أنه لو ترك قتالهم قتله الملعون ابن زياد صبرا، كما فعل بابن عمه مسلم، فكان القتل مع عز النفس والجهاد، أهون عليه.