ولا بأس أن يأكل الإنسان لحم الصيد، وينال النساء، ويشم الطيب بعد عقد الإحرام، ما لم يلب، فإذا لبى، حرم عليه جميع ذلك، كذا أورده شيخنا أبو جعفر في نهايته (1) وهذا غير واضح، لأنه قال بعد عقد الإحرام:
والإحرام لا ينعقد إلا بالتلبية، أو الإشعار، والتقليد (2)، للقارن، ثم قال: ما لم يلب، فإذا لم يلب فما انعقد إحرامه.
والأولى أن يقال: إنما أراد بقوله بعد عقد الإحرام، لبس ثوبي الإحرام، والصلاة، والاغتسال من الكيفية الظاهرة، على ما أسلفنا القول في معناه، وإن كان الحاج قارنا، فإذا ساق، وأشعر البدنة، أو قلدها، حرم أيضا عليه ذلك، وإن لم يلب، لأن ذلك يقوم مقام التلبية، في حق القارن.
والإشعار، هو أن يشق سنام البدنة، من الجانب الأيمن، فإن كانت بدنا كثيرة، صفها صفين، ويشعر إحديهما من جانبها الأيمن، والأخرى من جانبها الأيسر.
وينبغي إذا أراد الإشعار، أن يشعرها وهي باركة، وإذا أراد نحرها، نحرها وهي قائمة.
والتقليد، يكون بنعل قد صلى فيه، لا يجوز غيره.
وإذا أراد المحرم أن يلبي جاهرا بالتلبية، بعد انعقاد إحرامه بالتلبية المخفت بها التي أدنى التلفظ بها، أن تسمع أذناه، التي يقال يلبي سرا، يريدون بذلك، غير جاهر بها، بل متلفظا، بحيث تسمع أذناه الكلام، ثم أراد أن يكررها، جاهرا بها، فالأفضل له إذا كان حاجا على طريق المدينة، أن يجهر بها، إذا أتى البيداء، وهي الأرض التي يخسف بها جيش السفياني، التي تكره فيها الصلاة عند الميل، فلو أريد بذلك التلبية التي ينعقد بها الإحرام، لما جاز ذلك، لأن البيداء بينها وبين ذي الحليفة، ميقات أهل المدينة، ثلاث فراسخ، وهو ميل، فكيف يجوز له أن يتجاوز الميقات من غير إحرام، فيبطل بذلك حجه وإنما