بعد المعارضة بما سمعت لا يخلو من إشكال وإن كان مما يتسامح فيها، لأن معارضها أيضا الاستحباب وهو مما يتسامح فيه، ولكن لا ريب في أن الأحوط في تحصيل الندب والتجنب عن احتمال الكراهة الصلاة في جهة الرأس لكن لا على وجه المحاذاة والمساواة، ولعله هو الذي أومأ إليه في خبر أبي اليسع (1) السابق بالأمر بالتنحي عن الخلف ناحية.
أما الصلاة خلفها فقد يظهر من المفيد وغيره المنع، كما أن الذي يظهر من غيره من القائلين بالكراهة الكراهة فيها، وربما أشكل على الجميع بالصحيح المزبور، ودفع بأنه ضعيف شاذ مضطرب اللفظ، ولعل الضعف لأن الشيخ رواه عن محمد بن أحمد بن داود عن الحميري، ولم يبين طريقه إليه. ورواه في الاحتجاج مرسلا عن الحميري، والاضطراب لأنه في التهذيب ظاهر في الأمر بالصلاة عن يمينه وشماله وفي الاحتجاج نهي فيه عن التقدم والمساواة، ولأنه في التهذيب كتابة إلى الفقيه، وفي الاحتجاج إلى صاحب الأمر (عليه السلام)، وقد يجاب بأن الظاهر من الشيخ في الفهرست كون الواسطة بينه وبين الراوي جماعة المفيد والحسين بن عبد الله وأحمد بن عبدون، فيكون الخبر صحيحا كما وصفه غير واحد، كما أن الظاهر تعدد الخبرين لا أنه خبر واحد مضطرب اللفظ، أقصاهما المخالفة بالاطلاق والتقييد، فطرحه حينئذ حتى بالنسبة إلى الحكم بندب الخلف أو جوازه من غير كراهة - مع اعتضاده بما سمعته من النصوص وفتوى جماعة لنصوص النهي عن الاتخاذ قبلة التي بعضها يمكن دعوى عدم شموله لقبورهم (عليهم السلام) فليس حينئذ إلا المرسل النبوي الواقع في ذيل صحيح زرارة (2) الذي قد ذكرنا احتماله كغيره من نصوص الاتخاذ إرادة المعاملة معاملة الكعبة، بل قبل بموافقته لروايات العامة وفتوى بعضهم بالحرمة، وقد جعل الله الرشد في خلافهم - مخالف لأصول المذهب