وإن كان إلى غيرها فالأقرب الجواز، قلت: ولا يتوهم من التعبير بلفظ الأقرب وقوع خلاف في ذلك، بل الظاهر أنه للاحتمال دون القول، فإنا لم نعثر على من حكي عنه ذلك، بل ظاهر نسبة الشيخ ذلك للشافعي عدم كونه لأحد من أصحابنا. وهو كذلك على الظاهر، نعم حكي عن نهاية الإحكام وكشف الالتباس في الفريضة حيث تجوز على الراحلة أنه لا بد أن يستمر على جهة واحدة، قالا: " المصلي لا بد أن يستمر على جهة واحدة لئلا يتشوش فكره، وجعلت الجهة التي يصلى إليها اختيارا الكعبة لشرفها، فإذا عدل عنها لضرورة السير وجب التزام الجهة، ثم الطريق لا يستمر على جهة فلا بد فيه من معاطف يمنة ويسرة، فيتبعه كيف كان للحاجة " ولعلهما لا يقولان به في النافلة، أو لم يريدا الوجوب الشرطي، أو غير ذلك، وإن أبيت فلا ريب في ضعفه كما لا يخفى على من لاحظ نصوص المقام الظاهرة في إرادة التوسعة وعدم الالتزام بالجهة، خصوصا المشتملة على الاستدلال بقوله تعالى: " فأينما تولوا فثم وجه الله " وتخصيصها توجه الدابة مع أنه في مقام توهم الحظر جريا على الغالب من إرادة الراكب ذلك، فلاحظ وتأمل.
ولا فرق في ذلك بين الابتداء وغيره، فلو صلى من أول الأمر إلى غير توجه دابته مثلا صح وإن كان توجه دابته إلى القبلة فضلا عن غيره، فله الركوب حينئذ مقلوبا ثم الصلاة، إلا أن الاحتياط مراعاة توجه الدابة، وإن كان الأقوى ما ذكرناه، كما أن الأقوى إرادة الرخصة أيضا مما تضمنته النصوص من الايماء لا العزيمة، فلو ركع الماشي وسجد وكذلك الراكب لكونه في كنيسة واسعة مثلا صح قطعا، بل كاد يكون صريح حسن بن عمار (1) المتقدم في الماشي، إذ حمل الركوع والسجود فيه على الايماء لهما لا داعي إليه، بل لا يبعد عدم قيام الايماء مقامهما لراكب السفينة المتمكن منهما كما