لكنك قد عرفت أنه ليس في أخبار العلاج إلا الأمر بأخذ ذي المزية وترك المرجوح من غير تصريح بأن المرجوح لم يصدر أصلا أو فيه إشكال وإبهام، والإنصاف أن المرجوح من مصاديق الأمر المشكل الذي يرد إلى الله والرسول، والأمر سهل.
ثم إنك قد عرفت أنه لم يقم دليل معتبر إلا على الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامة، وأنه لا وجه صحيح للتعدي عن المزايا المنصوصة، وأن المقبولة لا دليل فيها على الترتيب بين هاتين المزيتين، والمرفوعة الضعيفة السند لم يذكر فيها الترجيح بموافقة الكتاب، وأن صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله حجة معتبرة على أن الترجيح بمخالفة العامة متأخر عن الترجيح بموافقة الكتاب، وبها يقيد إطلاق موثقة الحسن بن الجهم كسائر المطلقات التي قام دليل على تقييدها، واستبعاد التقييد حينئذ لا وجه له.
ثم لو سلمنا التعدي عن المزايا المنصوصة وقلنا بأن الملاك في المزية أن يوجب الظن بالمطابقة للواقع أو الأقربية من الواقع، وسلمنا أيضا أن التعبد بالصدور فيما يتعين حمله على التقية لا معنى له حتى يؤول الترجيح بمخالفة العامة أيضا إلى ترجيح الصدور، لقلنا إن إيراد صاحب الكفاية على الشيخ الأعظم (قدس سرهما) - في قوله بتقدم الترجيح بالصدور على الترجيح بجهة الصدور فيما تزاحما - غير وارد، وذلك لا لأجل إنكار رجوع جميع المرجحات إلى ترجيح السند، ولا لإنكار أن كل الملاك إنما هو الظن بالمطابقة أو الأقربية من الواقع.
بل لأن الشيخ الأعظم (قدس سره) فرض مقالته هذه على غير ذاك المبنى، وصرح بأنه على ذلك المبنى الذي لا يرتضيه بقوله أولا " بناء على تعليل الترجيح بمخالفة العامة باحتمال التقية في الموافق " وآخرا: " هذا كله على تقدير توجيه الترجيح بمخالفة العامة باحتمال التقية، أما لو قلنا بأن الوجه في ذلك كون المخالف أقرب إلى الحق وأبعد عن الباطل، كما يدل عليه جملة من الأخبار فهي من المرجحات المضمونية وسيجئ حالها مع غيرها ".