لا يخفى على من تأمل. فإن مقصود الشريف من قضية " كل إنسان إنسان " الضرورية إنما هي القضية المتحصلة من موضوع القضية الأصلية، ومصداق الشئ أو الذات الذي جعل مفهوم المشتق مركبا منه، فلا محالة يكون البيان ما بيناه.
أقول: وبعد ذلك كله فيمكن أن يقال - بعد اختيار أن المحمول في قضية " كل إنسان كاتب " هو المقيد بما أنه مقيد -: إن هذه القضية وإن انحلت إلى هاتين القضيتين إلا أنه لا ريب في أن الغرض الأصلي إنما هي القضية الثانية أعني قضية " كل إنسان له الكتابة "، وحينئذ فعد قضية " كل إنسان كاتب " مما مادتها الإمكان إنما هو بلحاظ ما هو المقصود الأصلي منها.
وإن شئت قلت: إن الانحلال المذكور أمر عقلي لا يقبله الذهن بحسب المقصود الأصلي.
فالمقصود الأصيل الذي لا يتوجه ذهن المتكلم إلا إليه ليس إلا بيان أن له الكتابة، ولو تكلم بالإنسان فإنما هو لضيق اللفظ عن إفادة مرامه، ففي مقصوده الأصيل لا ينفك المقيد عن قيده، ولا ينحل ذلك الانحلال، وهذا هو مراد صاحب الفصول من الجواب، وحاصله: أن الانحلال المذكور لا نسلمه في المقصود الأصيل، فإذا قلتم: إن معنى الكاتب إنسان له الكتابة فالمتكلم بقضية " الإنسان كاتب " لا يريد إلا إثبات المقيد بما أنه مقيد، ولا يريد الانحلال المذكور، ولا يرضى به أصلا، وهو ليس ببعيد.
ثم إن صاحب الفصول (قدس سره) تنظر فيما أفاده ثانيا، فقال: وفيه نظر، لأن الذات المأخوذة مقيدة بالوصف - قوة أو فعلا - إن كانت مقيدة به واقعا صدق الإيجاب بالضرورة، وإلا صدق السلب بالضرورة، مثلا: لا يصدق " زيد كاتب " بالضرورة، لكن يصدق " زيد زيد الكاتب " بالفعل أو بالقوة بالضرورة (1). انتهى. ومراده (قدس سره) بقوله: " لا يصدق زيد كاتب بالضرورة " أنه لا يصدق إذا أريد من " كاتب " معناه البسيط المرتكز. كما أن هذا المعنى البسيط، هو مراده من " الكاتب " المذكور قيدا