الانتزاع منه، ومع عدم التصرف كذلك لا يعقل انتزاعها منه، فجعل الصحة مما لا معنى له.
ومن ذلك يعلم: أن إيجاب البناء على الصحة ابتداء أيضا مما لا يعقل إلا بنحو من أنحاء التصرف في منشأ الانتزاع، بل ولا يعقل أن تكون أصالة الصحة أمارة عقلائية أيضا، لأن الأمارة على أمر انتزاعي لا تعقل إلا بقيام الأمارة على منشئه، ومع قيام الأمارة عليه لا يحتاج إلى قيام أمارة على المنتزع، بل لا يعقل، فأصالة الصحة - بمعنى جعل الصحة للشئ المشكوك فيه، أو البناء على الصحة ابتداء، أو إقامة الأمارة عليها كذلك - مما لا تعقل.
وثانيا: أن قاعدة أصالة الصحة دائما محكومة بقاعدة التجاوز عن المحل، لأن الشك في الصحة دائما مسبب عن الشك في الإخلال بشئ مما يعتبر في المأمور به، وبعد الفراغ من العمل كما يكون موردا لقاعدة الفراغ، يكون موردا لقاعدة التجاوز أيضا، والقاعدة الثانية ترفع الشك في الصحة، وترفع موضوع القاعدة الأولى، فلا يبقى مجال لجريانها.
وإن شئت قلت: إذا جرت قاعدة التجاوز يحكم العقل بصحة العمل، وتنتزع منه الصحة، لكونها من اللوازم الأعم من الحكم الظاهري، فتغني عن قاعدة أصالة الصحة، وإجراء أصالة الصحة لا يغني عن الثانية إلا بالأصل المثبت، ولو منعت الحكومة لما ذكرنا في الأصل السببي والمسببي من ميزان الحكومة (1)، فلا أقل من أن جعل القاعدة الأولى، أي قاعدة الفراغ يكون لغوا مع جعل قاعدة التجاوز، لأن قاعدة الفراغ أخص منها مطلقا.
لا يقال: بين القاعدتين عموم من وجه موردا، لتصادقهما بعد الفراغ من عمل