لا بمعنى أن عنوان " اليقين " و " الشك " استعملا في الحجة وغير الحجة، فإنه واضح البطلان، بل هما مستعملان في معناهما، لكن العرف لا يرى لخصوصية العنوان دخالة في الحكم، كما أن في قوله: " رجل شك بين الثلاث والأربع " لا يكون الرجل مستعملا في مطلق المكلف، بل العرف يلغي خصوصية الرجل، ويرى أن ذكره من باب المثال.
فحينئذ: يكون تقدم أدلة حجية خبر الثقة على أدلة الاستصحاب - بناء على أخذها من الأدلة اللفظية مثل مفهوم آية النبأ، ومثل قوله: (ما يؤدي عني فعني يؤدي) (1) - على نحو الحكومة على إشكال، ونتيجتها الورود، لأن مفاد أدلة حجية الخبر ولو التزاما إلغاء الشك، فإن مفهوم الآية بناء على المفهوم أن نبأ العادل لا يتبين لكونه متبينا، وليس العمل به إصابة للقوم بجهالة، وهو رافع للشك.
وأما لو قلنا: بأن دليل حجية خبر الثقة ليس إلا بناء العقلاء وسيرتهم على العمل به، والأدلة اللفظية كلها إرشادات إليها - كما هو التحقيق - فتقدمها على الاستصحاب يكون بالتخصص أو الورود.
بل هذا في الحقيقة ليس تقدما، لأن الخروج الموضوعي ليس من التقدم، لأن العقلاء لا يرون العمل بخبر الثقة عملا بغير الحجة، فلا يكون العمل على طبق الأمارة نقضا لليقين بالشك لديهم.
وإن اشتهيت أن تسمي هذا النحو من التقدم ورودا ببعض المناسبات فلا مشاحة فيه، ومما ذكرنا يظهر حال سائر الأمارات.