أيضا، لأن المراد بعدم الحجة في مقابل الحجة هو عدم الحجة على الواقع، وقد مر أن المراد ب (ما لا يعلمون) في أدلة البراءة هو ما لم تقم حجة على الواقع، فغاية الأصول عدم قيام الحجة على الواقع، ومفاد أدلة الاستصحاب بقاء الحجة قبل قيام حجة على الواقع، فإن معنى عدم نقض الحجة بغير الحجة عرفا هو بقاء حجيته إلى قيام حجة على الواقع، فأدلة الاستصحاب بلسانها حاكمة على حصول غاية أدلة الأصول، وأما أدلة الأصول فلم يكن مفادها إلا تعيين الوظيفة عند عدم قيام الحجة لا جعل الحجة على الواقع.
وأما ما أفاده الشيخ الأعظم في وجه التقدم: من أن دليل الاستصحاب بمنزلة معمم للنهي السابق بالنسبة إلى الزمان اللاحق، فمجموع قوله: (كل شئ مطلق حتى يرد فيه نهي) (1) ودليل الاستصحاب بمنزلة أن يقول: " كل شئ مطلق حتى يرد فيه نهي، وكل نهي ورد في شئ فلا بد من تعميمه لجميع أزمنة احتماله " فيكون الإطلاق مغيى بورود النهي المحكوم عليه بالدوام، فأدلة الاستصحاب حاكمة عليه (2).
ففيه: أن الحكومة خصوصا على مسلكه متقدمة بلسان الدليل، فحينئذ لا يتم ما ذكره إلا بدعوى أن مفاد أدلة الاستصحاب عدم نقض المتيقن، بل لا يكفي ذلك حتى يكون المراد من المتيقن هو العناوين الذاتية الواقعية كالنهي والأمر والوجوب والحرمة، وقد مر سابقا (3) الإشكال في كون المراد من اليقين المتيقن، ولو سلم ذلك لكن لا يمكن المساعدة معه في كون المراد هو العناوين الأولية تأمل.
ثم ذلك لا يتم بالنسبة إلى سائر أدلة البراءة وهو (قدس سره) كان متنبها لذلك لكن قال: ما كان من الأدلة النقلية مساوقا لحكم العقل فقد اتضح أمره،