الظهور للعام من أول الامر، فيكون الخاص بيانا للمراد من العام بحسب فهم العرف، فإنه إذا قال المولى: لا تكرم زيدا، ثم قال: أكرم العلماء يكون قوله: لا تكرم زيدا قرينة على المراد من قوله: أكرم العلماء، ومانعا من انعقاد ظهوره بالنسبة إلى زيد من أول الامر. وليس فيه إلا تقديم البيان على وقت الحاجة. ولا قبح فيه أصلا، بخلاف تأخيره عنه، فإنه محل خلاف بينهم. ولذا اختلفوا فيما إذا ورد الخاص بعد العام، فذهب بعضهم إلى كونه مخصصا مطلقا. واختار آخرون كونه مخصصا إن كان وروده قبل وقت العمل، وناسخا إن كان بعده، لقبح تأخير البيان عن وقت الحاجة (الثاني) - وهو الأوضح من سابقه - أن كون العام ناسخا متوقف على دلالته على ثبوت حكمه من حين وروده. إذ لو دل على ثبوته في أول الاسلام لا يكون ناسخا البتة، فلا يحتمل النسخ في الاخبار التي بأيدينا الواردة عن الأئمة المعصومين (عليهم السلام) لان ظاهرها بيان الاحكام التي كانت مجعولة في زمان النبي (صلى الله عليه وآله)، إذ الأئمة (عليهم السلام) مبينون لتلك الأحكام لا مشرعون، إلا أن تنصب قرينة على أن هذا الحكم مجعول من الان، فإذا ورد عن الباقر (عليه السلام): أن الطحال مثلا حرام، وورد عن الصادق (عليه السلام): أن جميع أجزاء الذبيحة حلال لا يحتمل كونه ناسخا للخاص المتقدم، لان ظاهره أن أجزاء الذبيحة حلال في دين الاسلام من زمن النبي (صلى الله عليه وآله) لا أنها حلال من الان ليكون ناسخا لما ورد عن الباقر (عليه السلام). ولا فرق في ذلك بين الخاص والعام، فلا يحتمل النسخ في الخاص الوارد بعد العام، لعين ما ذكرناه في العام الوارد بعد الخاص.
و (بالجملة): الحكم المذكور في الاخبار المروية عن الأئمة (عليهم السلام) مقدم بحسب مقام الثبوت وإن كان مؤخرا بحسب مقام الاثبات، فتكون الاحكام الصادرة عن الأئمة سابقهم ولا حقهم (عليهم السلام) بمنزلة الاحكام الصادرة عن شخص واحد،