و (أما الصورة الثانية) وهي ما إذا كانت النسبة - بين الخاصين - العموم من وجه: كما إذا قال المولى: أكرم العلماء، ثم قال: لا تكرم العالم الفاسق، وقال أيضا: لا تكرم العالم الشاعر، فالحكم في هذه الصورة هو ما ذكرناه في الصورة السابقة: من تخصيص العام بكلا المخصصين إذا لم يستلزم التخصيص المستهجن، وبقاء العام بلا مورد، كما في المثال المذكور، فإنه بعد إخراج العالم الفاسق والعالم الشاعر من عموم دليل وجوب إكرام العلماء، تبقى تحت العام أفراد كثيرة، وأما إذا استلزم أحد المحذورين المذكورين، فيقع التعارض لا محالة، فتتصور بالصور السابقة، ويعرف حكمها مما تقدم بلا حاجة إلى الإعادة.
وربما يتوهم في المقام انقلاب النسبة، وعدم جواز تخصيص العام بكلا المخصصين - ولو لم يكن فيه محذور - فيما إذا تقدم أحد الخاصين زمانا على الاخر، كما إذا صدر العام من أمير المؤمنين (عليه السلام) وأحد الخاصين من الباقر (عليه السلام) والخاص الاخر من الصادق (عليه السلام) فإنه يخصص العام بالخاص الصادر من الباقر (عليه السلام) (أولا) إذا به يكشف عدم تعلق الإرادة الجدية من لفظ العام بالمقدار المشمول له، فلا يكون العام حجة بالنسبة إليه، ثم تلاحظ النسبة بين العام والخاص الصادر من الصادق (عليه السلام) وهي العموم من وجه حينئذ، ففي المثال المذكور - بعد خروج العالم الفاسق من قوله: أكرم العلماء - يكون المراد منه العلماء العدول، والنسبة - بينهم وبين العالم الشاعر - هي العموم من وجه، لاجتماعهما في العالم العادل الشاعر، وافتراقهما في العالم العادل غير الشاعر، والعالم الشاعر غير العادل. وهذا هو الفارق بين هذه الصورة والصورة الأولى، فان النسبة - بين العام وأحد الخاصين بعد تخصيص العام بالخاص الاخر - هي النسبة بينهما قبله في الصورة الأولى، فلا تنقلب النسبة أصلا، بخلاف الصورة الثانية كما عرفت.