منفصلة على الخلاف أيضا، فان القرينة المنفصلة وإن لم تكن مانعة عن تعلق الإرادة الاستعمالية، كالقرينة المتصلة، إلا أنها كاشفة عن عدم تعلق الإرادة الجدية، فكما أن الاستثناء - في قوله: أكرم العلماء إلا الفساق - قرينة على عدم كون المولى بصدد تفهيم جميع الافراد في هذا الاستعمال، فكذا قوله: - لا تكرم العالم الفاسق - كاشف عن عدم تعلق الإرادة الجدية من المولى باكرام جميع افراد العلماء في قوله:
أكرم العلماء.
و (بالجملة) هذه الدلالة متوقفة على عدم نصب القرينة المتصلة والمنفصلة.
(المقدمة الثانية) - أن التعارض بين دليلين لا يتحقق الا باعتبار كون كل منهما حجة ودليلا في نفسه لولا المعارضة، إذ لا معنى لوقوع التعارض بين ما هو حجة وما ليس بحجة. وبضم هذه المقدمة إلى المقدمة الأولى يستنتج صحة القول بانقلاب النسبة، فإنه إذا قام دليل عام ثم ورد دليل مخصص لذلك العام، وقام دليل آخر معارض للعام، فلابد من ملاحظة النسبة بين العام ومعارضه، بعد اخراج ما يشمله المخصص، لان العام لا يكون حجة بالنسبة إلى ما خرج منه بالمخصص، فالتصديق بانقلاب بالنسبة لا يحتاج إلى أزيد من تصوره. وحيث أن بحث انقلاب النسبة كثير الابتلاء في الفقه، لان التعارض في كثير من أبواب الفقه بين أكثر من دليلين، فلابد لنا من التعرض لصور انقلاب النسبة، وتمييزها عن الصور التي لا تنقلب النسبة فيها.
فنقول: التعارض بين أكثر من دليلين على أنواع:
(النوع الأول) - ما إذا قام دليل عام، ومخصصان منفصلان وهذا النوع يتصور بصور ثلاث: لان النسبة بين المخصصين إما أن تكون هي التباين، أو العموم من وجه، أو العموم المطلق. مثال الصورة الأولى: قوله تعالى: (... وحرم الربا...) بملاحظة ما يدل على أنه لا ربا بين الوالد والولد، وما يدل على أنه لا ربا بين الزوج وزوجته،