ومن هنا لا شبهة في ظهور النواهي الواردة في الشريعة المقدسة بمقتضى الفهم العرفي في الانحلال: كالنهي عن شرب الخمر والزنا والغيبة والكذب والغصب وسب المؤمن وما شاكل ذلك.
ولأجل هذا قلنا: إن التكاليف التحريمية غالبا، بل دائما تكاليف انحلالية، فتنحل بانحلال موضوعها مرة كما في النهي عن شرب الخمر - مثلا - أو نحوه، فإنه ينحل بانحلال موضوعه في الخارج وهو الخمر، ويتعدد بتعدده، وبانحلال متعلقها مرة أخرى كما في النهي عن الكذب - مثلا - أو الغيبة أو ما شاكل ذلك مما لا موضوع له، فإنه ينحل بانحلال متعلقه في الخارج، وبانحلال كليهما معا كما في مثل النهي عن سب المؤمن أو نحوه، فإنه كما ينحل بانحلال موضوعه - وهو المؤمن - كذلك ينحل بانحلال متعلقه وهو السب ولو مع وحدة موضوعه.
فالنتيجة: هي أن النهي حيث إنه ينشأ عن قيام مفسدة ملزمة في متعلقه فالظاهر منه - بمقتضى الفهم العرفي - هو ترتب تلك المفسدة على كل فرد من أفراده، وبذلك ينحل النهي إلى نواهي متعددة بانحلال موضوعه أو متعلقه. هذا تمام الكلام في النهي وفي منشأ انحلاله.
وأما الأمر فهو على عكس النهي. والوجه فيه: هو أن الأمر بما أنه ينشأ عن قيام مصلحة ملزمة في متعلقه - وهي داعية إلى إنشائه واعتباره - فلا محالة مقتضى الإطلاق فيه - في مقام الإثبات وعدم التقييد بخصوصية من الخصوصيات - هو أن المصحلة قائمة بصرف وجوده، لا بمطلق وجوده أينما سرى.
وبتعبير أوضح: أن قيام مصلحة بطبيعة في مقام الثبوت والواقع يتصور على صور:
الأولى: أن تكون المصلحة قائمة بصرف الوجود.
الثانية: أن تكون قائمه بمطلق الوجود على نحو العموم الاستغراقي.
الثالثة: أن تكون قائمة بمجموع الوجودات على نحو العموم المجموعي.
الرابعة: أن تكون قائمة بعنوان بسيط متولد من هذه الوجودات الخارجية.
هذا كله بحسب مقام الثبوت.