الوضع - أنها وضعت للدلالة على الماهية المهملة، وهي الماهية من حيث هي هي التي لم يلحظ فيها أي اعتبار زائد على ذاتها وذاتياتها، فيكون النظر مقصورا على ذاتها من دون نظر إلى أمر خارج عنها، ولأجل ذلك تكون الماهية المهملة فوق الماهية اللابشرط المقسمي في الإبهام والإهمال، فإنها مندمجة فيهما غاية الاندماج دون تلك الماهية، أعني: الماهية اللابشرط المقسمي، ضرورة أن النظر فيها ليس مقصورا على ذاتها وذاتياتها، بل تلحظ فيها حيثية زائدة على ذاتها، وهي: حيثية ورود الاعتبارات الثلاثة عليها - أعني: اللابشرط القسمي وبشرط لا وبشرط شئ - باعتبار أنها مجمع لتلك الاعتبارات ومقسم لها، فهذه الحيثية ملحوظة فيها ولم تلحظ في الماهية المهملة.
ثم إن لتلك الطبيعة المهملة أفرادا ومصاديق في الخارج، وهي كل ما يمكن أن تنطبق عليه هذه الطبيعة. هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى: أن لكل وجود عدما مضافا إليه، وهو بديله ونقيضه، وقد برهن في محله أن نقيض الواحد واحد، فلا يعقل أن يكون الاثنان بما هما اثنان نقيضا للواحد، ضرورة أن نقيض كل شئ رفع ذلك الشئ، لا رفعه ورفع شئ آخر... وهكذا، مثلا: نقيض الإنسان رفع الإنسان، لا رفعه ورفع شئ آخر فإن رفع ذلك الشئ نقيض له لا للإنسان.
نعم، قد ثبت في المنطق: أن نقيض الموجبة الكلية السالبة الجزئية وبالعكس، ونقيض السالبة الكلية الموجبة الجزئية كذلك، ولكن من المعلوم أن هذا التناقض ملحوظ بين القضيتين والكلامين بحسب مقام الإثبات والصدق، بمعنى: أن صدق كل منهما يستلزم كذب الآخر، مثلا: صدق الموجبة الكلية يستلزم كذب السالبة الجزئية، وبالعكس، وكذا صدق السالبة الكلية يستلزم كذب الموجبة الجزئية، وبالعكس، فهما متناقضان بحسب الصدق، فلا يمكن فرض صدق كليهما معا، كما أنه لا يمكن فرض كذب كليهما كذلك. وهذا هو المراد بالتناقض بينهما، ويسمى هذا التناقض بالتناقض الكلامي.