الوجود، والمقابلة إنما هي بينه وبين مطلق الوجود لا صرفه، فإن المقابل له (صرف الوجود) صرف الترك فإذا لا يرجع ما هو المشهور إلى معنى محصل أصلا.
ولعل منشأ تخيلهم ذلك الغفلة عن تحليل نقطة واحدة، وهي الفرق بين صرف الترك ومطلق الترك، ولكن بعد تحليل تلك النقطة على ضوء ما بيناه قد ظهر بوضوح خطأ نظريتهم، وأنه لا مبرر لها أبدا.
إلى هنا قد تبين بطلان المبنى والبناء معا، وأنه لا يمكن الالتزام بشئ منهما.
هذا، الذي ينبغي أن يقال في هذا المقام: هو أن سبب اقتضاء النهي حرمة جميع أفراد الطبيعة المنهي عنها الدفعية والتدريجية، وعدم صحة الاكتفاء في امتثاله بترك فرد ما منها، وسبب اقتضاء الأمر إيجاد فرد ما من الطبيعة المأمور بها دون الزائد إحدى نقطتين:
الأولى: اختلاف الأمر والنهي من ناحية المبدأ.
الثانية: اختلافهما من ناحية المنتهى.
أما النقطة الأولى: فلأن النهي بما أنه ينشأ عن مفسدة لزومية في متعلقه وهي داعية إلى إنشائه واعتباره فهي - غالبا - تترتب على كل فرد من أفرادها في الخارج، ويكون كل منها مشتملا على مفسدة مغايرة لمفسدة أخرى. ومن الواضح جدا أن لازم هذا هو: انحلال النهي بانحلال أفراد الطبيعة المنهي عنها، وذلك على وفق ما هو المرتكز في أذهان العرف والعقلاء والفهم العرفي من النواهي.
وهذا بخلاف ما إذا فرض أن المفسدة قائمة بصرف وجودها، أو بمجموع وجوداتها، أو بعنوان بسيط متحصل من هذه الوجودات في الخارج، فإن فهم ذلك يحتاج إلى بيان من المولى ونصب قرينة تدل عليه، وأما إذا لم تكن قرينة على قيامها بأحد هذه الوجوه فالإطلاق في مقام الإثبات - كما عرفت - قرينة عامة على قيامها بكل فرد من أفراد تلك الطبيعة.
وعلى هدي ذلك: فإذا نهى المولى عن طبيعة ولم ينصب قرينة على أن المفسدة قائمة بصرف وجودها حتى لا تكون مفسدة في وجودها الثاني والثالث،