وهذا بخلاف ما في طرف العدم، فإن العدم الجامع عبارة عن مجموع الأعدام بإضافة العدم إلى الطبيعة، لأن على مجموعها يصدق أنه عدم الطبيعة، لا على كل واحد واحد، ضرورة أنه ليس هنا شئ واقعي يكون جامعا بين تلك الأعدام ومنطبقا على كل واحد منها.
وغير خفي أن هذا التوجيه لا يرجع إلى معنى محصل أصلا، وذلك لأنه: إن أريد بالوحدة السنخية بين الوجودات الوحدة الحقيقية والذاتية فهي غير معقولة، وذلك لأن كل وجود مباين لوجود آخر، وكل فعلية تأبى عن فعليه أخرى، ومع ذلك كيف تعقل وحدة وجودية حقيقية بينهما؟ وكيف يعقل اشتراك الفعليتين بالذات في فعلية ثالثة؟
وإن أريد بها الوجود السعي الذي هو: عبارة عن الوجود المضاف إلى الطبيعة - مع قطع النظر عن جميع الخصوصيات والتشخصات الخارجية - فهو أمر معقول، إلا أن مثل هذا الجامع موجود بين الأعدام أيضا، وهو العدم السعي، فإنه عدم مضاف إلى الطبيعة مع إلغاء كل خصوصية من الخصوصيات، وينطبق على كل واحد من الأعدام كانطباق الوجود السعي على كل واحد من الوجودات.
وليست وحدة الوجود السعي وحدة حقيقية ليقال: إنه ليس بين الأعدام جامع حقيقي، لما عرفت من أن الجامع الحقيقي الوجودي بين الوجودات غير معقول، فلا محالة تكون وحدته وحدة بالعنوان، ولا تتعدى عن أفق النفس إلى الخارج.
إذا تصوير هذا النحو من الجامع بين الأعدام بمكان من الوضوح كما عرفت.
وعلى هذا الضوء لا فرق بين أن يكون المطلوب الوجود السعي، وبين أن يكون المطلوب العدم السعي، فإن الأول كما ينطبق على كل فرد من الأفراد كذلك الثاني ينطبق على كل عدم من الأعدام، ولا يتوقف صدق الثاني على مجموع الأعدام كما توهم، كيف؟ فإنه كما يصدق على وجود كل فرد أنه وجود الطبيعة كذلك يصدق على عدم كل منه أنه عدم الطبيعة، بداهة أن الوجود إذا كان وجود الطبيعة فكيف لا يكون عدمه البديل له عدما لها؟ إذا كيف يتوقف صدق عدم الطبيعة على عدم مجموع الأفراد؟